الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وتدخل أولاد البنات ) قريبهم وبعيدهم ( في الوقف على الذرية والنسل والعقب وأولاد الأولاد ) وإن بعدوا في غير الأخيرة لصدق كل من هذه الأربعة بهم ( إلا أن يقول ) الرجل ( على من ينسب إلى منهم ) لأنهم لا ينسبون إليه بل إلى آبائهم لقوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } وأما خبر { ابني هذا سيد } في حق الحسن بن علي .

                                                                                                                            فجوابه أنه من الخصائص كما ذكروه في النكاح ، فإن كان الواقف امرأة دخل أولاد بناتها لأن ذكر الانتساب في حقها لبيان الواقع لا للإخراج ، فلا ينافيه قولهم في النكاح وغيره إنه لا مشاركة بين الأم وابنها في النسب إذ لو لم يصر كذلك لزم إلغاء الوقف أصلا .

                                                                                                                            فالعبرة فيها بالنسبة اللغوية لا الشرعية ، ويكون [ ص: 383 ] كلام الفقهاء محمولا على وقف الرجل كما قدرناه في كلامه .

                                                                                                                            نعم لو قال الواقف على الذين ينسبون إلي بأمهاتهم لم يكن لأولاد البنين فيه شيء .

                                                                                                                            واعلم أنه يقع في كتب الأوقاف ، ومن مات انتقل نصيبه إلى من في درجته من أهل الوقف المستحقين ، وظاهره أن المستحقين تأسيس لا تأكيد ، فيحمل على وضعه المعروف في اسم الفاعل من الاتصاف حقيقة بالاستحقاق من الوقف حال موت من ينتقل إليه نصيبه ، ولا يصح حمله على المجاز أيضا بأن يراد الاستحقاق ولو في المستقبل كما أفاد ذلك السبكي وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، لأن قوله من أهل الوقف كاف في إفادة هذا فيلزم عليه إلغاء قوله المستحقين لأنه لمجرد التأكيد والتأسيس خير منه فوجب العمل به ، ولو وقف على أولاده أو بنيه وبناته دخل الخنثى لعدم خروجه عنهم .

                                                                                                                            نعم يتجه أنه إنما يعطي المتيقن إذا فاضل بين البنين والبنات ويوقف الباقي إلى البيان ، ولا يدخل في الوقف على أحدهما لاحتمال أنه من الصنف الآخر .

                                                                                                                            قال الإسنوي : وهذا يوهم أن المال يصرف إلى من عينه من البنين أو البنات ، وهو غير مستقيم لأنا لا نتيقن استحقاقهم لنصيب الخنثى بل يوقف نصيبه إلى البيان كما في الميراث ، وقد صرح به ابن المسلم ورده الوالد رحمه الله تعالى بأن كلام الشيخين هو المستقيم لأن سبب الاستحقاق مشكوك فيه وفيمن عداه موجود وشككنا في [ ص: 384 ] مزاحمة الخنثى له والأصل عدمه ، فأشبه ما لو أسلم على ثمان كتابيات فأسلم منهن أربع أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات فأسلم معه الوثنيات ومات قبل الاختيار ، أو طلق المسلم إحدى زوجتيه المسلمة والكتابية ومات قبل البيان فإن الأصح المنصوص أنه لا يوقف شيء للزوجات بل تقسم كل التركة بين باقي الورثة لأن استحقاق الزوجات غير معلوم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لا الشرعية ) يؤخذ منه أن النسبة شرعا هي الانتساب من قبل الأب خاصة ومنه يعلم جواب حادثة وقع السؤال عنها في سنة تسع وستين وألف ، وحاصلها : أن شخصا وقف على نفسه ثم على بنته فلانة وذكر شروطا وترتيبا بين الطبقات إلى أن قال : على أن من مات ولم يخلف ولد ولا ولد ولد فنصيبه إلى أقرب من ينسب إلى الميت ثم مات الواقف وانحصر الوقف في بنته ، ثم ماتت البنت ولم تخلف ولدا ولا ولد ولد وخلفت أمها وابن ابن عم لها هو ابن ابن أخي الواقف المذكور ، فوقع السؤال هل الحق للأم لأنها أقرب للبنت أو لابن ابن العم ؟ وحاصل الجواب المأخوذ مما ذكر أن الحق لابن ابن العم وأن الأم لا شيء لها في ذلك لأنها لا تشارك الابن في النسب لكونها أجنبية عن نسب أبيه فلم تشملها عبارة الواقف لما علم من اختصاص النسب شرعا بما كان من قبل الأب ، فلو صرف إلى الأم من ريع الوقف شيء والحالة ما ذكر كان فيه تقديم غير الشرعية على الشرعية فتنبه له ، ولا تغتر بما نقل عن بعض أهل العصر من خلافه هذا ، وفي المصباح النسبة إلى الأب صفة ذاتية إلى أن قال بعد كلام : والأول يعني النسب إلى الأب هو الأصل فكان أولى ، ثم استعمل في مطلق الوصلة بالقرابة ا هـ .

                                                                                                                            ومنه يعلم أن حقيقة النسب لغة ما كان من جهة الأب .

                                                                                                                            وعليه فاللغة والشرع يقتضيان تخصيص الوقف بابن ابن العم المذكور ، ونظير هذا ما وقع السؤال عنه أيضا وذكر فيه ، فإن لم يكن له إخوة ولا أخوات فإلى أقرب من ينسب إلى المتوفى إذ ذاك وانحصر الوقف في بنت ثم ماتت عن أبيها وجدتها أم أمها وابن عم للواقف وعن عتقاء الواقف ، وهو أن الجواب عنه أن المستحق لريع الوقف المذكور هو أبو البنت المتوفاة عملا بقول الواقف ، فإن لم يكن له إخوة ولا أخوات فإلى أقرب من [ ص: 383 ] ينسب إلى المتوفى وذلك لانحصار أقرب المنسوبين إليها في الأب فإن الأم وأم الأم لا نسب بينهما وبين المتوفاة ، لأن النسب إذا أطلق في عبارة الفقهاء انصرف إلى النسب الشرعي وهو لا يكون إلا من جهة الآباء لقوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } .

                                                                                                                            ( قوله : ومن مات انتقل نصيبه إلخ ) قال حج : ويقع في كتب الأوقاف أيضا لفظ النصيب والاستحقاق ، وقد اختلف في أنه يحمل على النصيب المقدر مجاز القرينة وهو ما عليه كثيرون ، وكاد السبكي أن ينقل إجماع الأئمة الأربعة عليه أو يختص بالحقيقي لأنه الأصل والقرائن في ذلك ضعيفة وهو المنقول وعليه كثيرون أيضا ، ويؤيد الأول قول السبكي إلخ ، وعلى هذا أفتيت في موقوف على محمد ثم بنتيه وعتيقه فلان على أن من توفت منهما تكون حصتها للأخرى فتوفت إحداهما في حياة الواقف بعد الوقف ثم محمد عن الأخرى وفلان بأن لها الثلثين وللعتيق الثلث ، ويؤيده أن الواقف إلخ ، والذي حررته في كتاب سوابغ المدد أن الراجح الثاني ، وهو الذي رجع إليه شيخنا بعد إفتائه بالأول ، ورد على السبكي وآخرين ومنهم البلقيني اعتمادهم له : أعني الأول ا هـ ملخصا .

                                                                                                                            وهو موافق لما ذكره الشارح في قوله واعلم أنه يقع إلخ ، وقول حج أو يختص بالحقيقي قسيم قوله في أنه يحمل على النصيب المقدر ، وقوله : إن الراجح الثاني هو قوله أو يختص بالحقيقي ، وقوله وهو الذي رجع إليه شيخنا : أي وعليه فتقسم غلة الوقف بعد محمد على البنت الموجودة والعتيق نصفين ، لكنه قدم أن استحقاق البنت الثلثين ليس لمجرد قوله فإذا ماتت إحداهما فنصيبها للأخرى ، بل لأنه وجد من الواقف ما يدل على أن المراد النصيب ولو بالقوة كما هنا ، وقوله بعد إفتائه بالأول هو قوله يحمل على النصيب المقدر الذي أشار إليه بقوله وعلى هذا أفتيت إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : المستحقين ) أفهم أنه لو لم يذكر المستحقين بل اقتصر على قوله من في درجته من أهل الوقف انتقل نصيب الميت لمن في درجته وإن كان محجوبا بمن فوقه ( قوله : تأسيس ) أي بأن أفاد زيادة على ما أفاده قوله من أهل الوقف ( قوله : إذا فاضل ) أي الواقف ، وقوله من عينه : أي الواقف ( قوله : بل يوقف نصيبه إلى البيان ) قال سم على حج : فلو لم يكن حال الوقف إلا ولد خنثى فقياس وقف نصيبه أن يوقف أمر الوقف إلى البيان وقف تبين ، فإذا بان من نوع الموقوف عليه تبينا صحة الوقف وإلا فلا ، وأما ما اعتمده شيخنا الرملي ففيه نظر لأنه إن وقف الوقف أشكل بعدم وقف نصيبه إلا أن يفرق ، وإن أبطله أشكل بأن إبطال الوقف مع احتمال صحته وعدم تحقق المبطل مما لا وجه له فليتأمل ( له بأن كلام الشيخين ) أي ما اقتضاه كلامهما من أن المال [ ص: 384 ] لمن عينه من البنين والبنات .

                                                                                                                            ( قوله : والأصل عدمه ) وقياس ما قدمه فيمن نفاه باللعان ثم استلحقه أنه لو اتضح بالذكورة يأخذ حتى المدة الماضية فليراجع ( قوله : فأشبه ما لو أسلم على ثمان إلخ ) فرق حج بين الخنثى وبين ما لو أسلم على ثمان كتابيات بأن التبين ثم تعذر بموته فلم يمكن الوقف مع ذلك ، بخلافه هنا فإن التبين ممكن فوجب الوقف إليه ا هـ .

                                                                                                                            ويؤيد ما فرق به حج ما سيأتي للشارح فيما لو ماتت الزوجة وقد كان الزوج قال لزوجتيه إحداكما طالق وإحداهما كتابية أو وثنية من أنه يطالب بالبيان أو التعيين لأجل الإرث ، بخلاف ما لو مات الزوج وإحداهما كتابية أو وثنية حيث لا يوقف للمسلمة شيء مع إمكان أنها ليست المطلقة لليأس من البيان فيما لو مات الزوج دون ما لو ماتت .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لبيان الواقع ) بمعنى أن كلا من أولادها ينسب إليها بمعنى اللغوي فليس لها فرع لا ينسب إليها بهذا المعنى ومن ثم كان الأولى تقدم ذكر أن المراد بالانتساب اللغوي على قوله فلا ينافيه إلخ ; لأنه مرتب عليه كما لا يخفى . ( قوله : فالعبرة فيها ) الأولى فالمراد فيها إلخ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية