الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويختلف الإحياء بحسب الغرض ) المقصود ( منه ) والشارع أطلقه وليس له حد في اللغة ، فوجب أن يرجع فيه إلى العرف كالحرز والقبض [ ص: 339 ] وضابطه أن يهيأ كل شيء لما يقصد منه غالبا ( فإن أراد مسكنا اشترط ) لحصوله ( تحويط البقعة ) بآجر أو لبن أو قصب على عادة ذلك المكان ، وقضية كلامهما الاكتفاء بالتحويط بذلك من غير بناء ، لكن نص في الأم على اشتراط البناء وهو المعتمد ، والأوجه الرجوع في جميع ذلك إلى العادة ، ومن ثم قال المتولي وأقره ابن الرفعة والأذرعي وغيرهما : لو اعتاد نازلو الصحراء تنظيف الموضع من نحو شوك وحجر وتسويته لضرب خيمة وبناء معلف ففعلوا ذلك بقصد التملك ملكوا البقعة ، وإن ارتحلوا عنها أو بقصد الارتفاق فهم أولى بها إلى الرحلة ( وسقف بعضها ) ليتهيأ للسكنى ويقع عليها اسم المسكن .

                                                                                                                            نعم قد يهيئ موضعا للنزهة في زمن الصيف ، والعادة فيه عدم السقف فلا يشترط حينئذ ( وتعليق باب ) أي نصبه لأن العادة فيها ذلك ( وفي الباب ) أي تعليقه ( وجه ) أنه لا يشترط لأنه للحفظ والسكنى لا تتوقف عليه ( أو زريبة دواب ) مثلا ( فتحويط ) ولا يكفي نصب سعف وأحجار من غير بناء ( لا سقف ) لأن العادة فيها عدمه ( وفي ) تعليق ( الباب الخلاف ) السابق ( في المسكن ) والأصح اشتراطه ، ولو شرع في الإحياء لنوع فأحياه لنوع آخر كأن قصد إحياءه للزراعة بعد أن قصده للسكنى ملكه اعتبارا بالقصد الطارئ ، بخلاف ما إذا قصد نوعا وأتى بما يقصد به نوع آخر كأن حوط البقعة بحيث تصلح زريبة بقصد السكنى لم يملكها خلافا للإمام ( أو مزرعة ) بتثليث الراء والفتح أفصح ( فجمع ) نحو ( التراب ) أو الشوك ( حولها ) كجدار الدار ( وتسوية الأرض ) بطم المنخفض وكسع العالي وحرثها إن توقف زرعها عليه مع سوق ما توقف الحرث عليه ( وترتيب ماء لها ) بشق ساقية من نحو نهر أو بحفر قناة أو بئر أو نحو ذلك ، وفهم من تعبيره بالترتيب عدم اشتراط السقي بالفعل ، فإذا حفر طريقه ولم يبق إلا إجراؤه كفى ، وإن لم يجر فإن هيأه ولم يحفر طريقه كفى أيضا كما رجحه في الشرح الصغير ، هذا ( إن لم يكفها المطر المعتاد ) فإن كفاها لم يحتج لترتيب الماء .

                                                                                                                            نعم بطائح العراق يعتبر حبسه عنها عكس غيرها كما ذكره الماوردي والروياني وغيرهما وأراضي الجبال [ ص: 340 ] التي لا يمكن سوق الماء إليها ولا يكفيها المطر تكفي الحراثة وجمع التراب كما اقتضاه كلام المصنف في الروضة كالرافعي ، وجزم به غيرهما ( لا الزراعة ) فلا تشترط في إحيائها ( في الأصح ) كما لا تشترط سكنى الدار لأن استيفاء المنفعة خارج عن الإحياء ، والثاني نعم إذ الدار لا تصير محياة حتى يصير فيها عين مال المحيي فكذا المزرعة ( أو بستانا فجمع التراب ) حولها إن اعتادوا ذلك بدلا عن التحويط ( و ) إلا اشترط ( التحويط ) ولو بنحو قصب ( حيث جرت العادة به ) إذ الإحياء لا يتم بدونه ، وعبارة المصنف محمولة على التنويع لتوافق عبارة الروضة وأصلها ( وتهيئة ماء له ) إن لم يكفه مطر كالمزرعة ( ويشترط ) نصب باب و ( الغرس ) ولو لبعضه بحيث يسمى معه بستانا كما أفاده الأذرعي ، فلا يكفي غرس الشجرة والشجرتين في المكان الواسع ( على المذهب ) إذ لا يتم اسمه بدونه بخلاف المزرعة بدون الزرع ، ولا يشترط أن يثمر ، وما يفعل عادة إلا للتملك كبناء دار لا يعتبر قصده ، بخلاف ما يفعل له ولغيره كحفر بئر فإنه يتوقف ملكه على قصده ، وقيل لا يشترط الغرس .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بحسب الغرض ) لو حفر قبرا في موان فالظاهر أنه إحياء قاله الزركشي ، قال : بخلاف ما لو حفره في أرض [ ص: 339 ] سبلت مقبرة فإنه لا يختص به ، ومن سبق بالدفن فيه فهو أحق به صرح بالثانية العماد بن يونس في فتاويه انتهى ونقل ذلك في شرح الروض ا هـ سم على منهج ( قوله : وتعليق باب ) قاله سم على منهج ( قوله : بحسب العادة إلخ ) قد يؤخذ من اعتبار العادة أنه لو جرت عادة ناحية بترك تعليق باب للدواب لم يتوقف إحياؤها على باب ولا مانع وفاقا ل مر ا هـ ( قوله : بقصد السكنى ) خرج ما لو قصد وقت التحجير السكنى ثم غير قصده إلى نحو الزريبة فيعتد به ويملك ما فعله مناسبا لقصده كما يفيده قوله السابق ولو شرع في الإحياء إلخ ( قوله : نعم بطائح العراق ) اسم لمواضع [ ص: 340 ] يسيل الماء إليها دائما ( قوله : وجمع التراب ) أي ويجوز أن يتكلف نقل الماء إليها أو يحصل مطر زائد على العادة يكفيها ( قوله كبناء دار ) أي وطاحونة وبستان وزريبة ( قوله على قصده ) وفائدة ذلك أن ما جرت به العادة بقصده إذا فعله بلا قصد ككونه غير مكلف لم يملكه فلغيره إحياؤه ، بخلاف ما لم تجر العادة في إحيائه بقصد فإنه يملكه بمجرد عمارته حتى لو عمره غيره بعد إحيائه لا يملكه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 339 ] قوله : وقضية كلامهما الاكتفاء بالتحويط بذلك من غير بناء إلخ ) فتأمل هذه السوادة فلعل فيها سقطا من النساخ .

                                                                                                                            وعبارة التحفة عقب قول المصنف تحويط البقعة نصها ولو بقصب أو جريد أو سعف اعتيد ، ومن ثم قال الماوردي والروياني : إن ذلك يختلف باختلاف البلاد ، واعتمده الأذرعي ، وفي نحو الأحجار خلاف في اشتراط بنائها ويتجه الرجوع فيه لعادة ذلك المحل وحمل اشتراطه في كلام الشيخين في الزريبة على محل اعتيد فيه دون مجرد التحويط كما يدل عليه عبارتهما وهي : لا يكفي في الزريبة نصب سعف وأحجار من غير بناء ; لأن المتملك لا يقتصر عليه في العادة وإنما يفعله المجتاز ا هـ .

                                                                                                                            فأفهم التعليل أن المدار في ذلك وغيره على العادة ومن ثم قال المتولي وأقره ابن الرفعة والأذرعي وغيرهما : لو اعتاد نازلو الصحراء إلى آخر ما في الشرح ( قوله : وأحجار من غير بناء ) هو عبارة الشيخين التي قدمتها في عبارة التحفة ومر ما فيها ( قوله : وأتى بما يقصد به نوع آخر ) أي : وكان المأتي به مما يقصد للملك وغيره كما في مثاله [ ص: 340 ] بخلاف ما إذا كان لا يقصد إلا للملك فإنه يملك به مطلقا كالدار كما يأتي في كلامه قريبا




                                                                                                                            الخدمات العلمية