فصل في بقية من أحكام الوكالة أيضا وهي ما يجب على الوكيل عند التقييد له بغير الأجل ومخالفته لما أذن له فيه وكون يده يد أمانة وتعلق أحكام العقد به ( تعين ) يعني بتعيينه في الجميع نحو لزيد في يوم الجمعة في سوق كذا ، كما قاله ( قال : بع لشخص معين أو في زمن ) معين ( أو مكان معين ) الشارح مريدا به أن قول المصنف " معين " وما بعده حكاية للفظ الموكل بالمعنى ، [ ص: 42 ] إذ الموكل لا يقول ذلك بل من فلان وهذا واضح ، ووجه تعين الأول أنه قد يكون له غرض في تخصيصه كطيب ماله وإن لم يكن له غرض أصلا عملا بإذنه ، فلو باع من وكيله لم يصح سواء أتقدم الإيجاب أم القبول ولم يصرح بالسفارة أم لا كما شمله كلامهم خلافا لابن الرفعة ، وبحث البلقيني أنه لو قال : بع من وكيل زيد : أي لزيد فباع من زيد لم يصح أيضا ، وهو ظاهر حيث كان الوكيل أسهل منه أو أرفق ، ولو مات زيد بطلت الوكالة كما صرح به الماوردي ، بخلاف ما لو امتنع من الشراء إذ تجوز رغبته فيه بعد ذلك ، والأوجه أنه لو قال : بع هذا من أيتام زيد ونحو ذلك حمل على البيع لوليهم ، ولا نقول بفساد التوكيل أصلا عملا بإذنه ، فلو باع من وكيله لم يصح : نعم لو دلت قرينة على إرادة الربح وأنه لا غرض له في التعيين سواه لكون المعين يرغب في تلك السلعة كقول التاجر لغلامه : بع هذا على السلطان فالمتجه كما قاله الزركشي جواز البيع من غير المعين ، واعترض بأنه لرغبته فيه قد يزيده في الثمن وهذا غرض صحيح ، وقد يقال إنما يأتي أصل البحث على الوجه الآتي في المكان ما لم يفرق بكون [ ص: 43 ] التعيين ثم لم يعارضه ما يلغيه وهنا عارضته القرينة الملغية له ، لولا أن ذلك المعين قد يزيد على ثمن مثله وذلك موافق لغرضه وهو زيادة الربح ، فاتضح أن تعيينه لا ينافي غرضه بل يوافقه خلافا للأذرعي .
ووجه الثاني أن الحاجة قد تدعو للبيع فيه خاصة فلا يجوز قبله ولا بعده ولو في الطلاق كما صرح به في الروضة في كتاب الطلاق نقلا عن البوشنجي ، ومثله في ذلك العتق ، ومن فرق بينه وبين الطلاق بأنه يختلف باختلاف الأوقات في الثواب فقد وهم بل قد يكون له غرض ظاهر في طلاقها في وقت مخصوص ، بل الطلاق أولى لحرمته زمن البدعة بخلاف العتق ، ولو قال يوم الجمعة أو العيد مثلا تعين كما بحثه الإسنوي وغيره أول جمعة وعيد يلقاه كما لو لم يكن له شراؤه في الصيف الآتي كما قاله وكله ليشتري له جمدا في الصيف فجاء الشتاء قبل الشراء البغوي وليلة اليوم مثله إن استوى الراغبون فيهما ومن ثم قال القاضي : لو باع : أي فيما إذا لم يعين زمنا ليلا والراغبون نهارا أكثر لم يصح .
ووجه الثالث أنه قد يقصد إخفاءه وإن لم يكن نقده أجود ولا الراغبون فيه أكثر . نعم لو قدر له الثمن ولم ينهه عن غيره صح البيع في غيره ، قال القاضي اتفاقا ، ورد السبكي له باحتماله زيادة راغب مردود بأن المانع تحققها لا توهمها [ ص: 44 ] ( وفي المكان وجه ) أنه لا يتعين ( إذا لم يتعلق به غرض ) صحيح للموكل ولم ينهه عن غيره لأن تعيينه حينئذ اتفاقي ، وانتصر له جمع كالسبكي وغيره ، ومع جواز النقل لغيره يضمن ويفارق ما لو قال للمودع : احفظه في هذا فنقله لمثله حيث لا ضمان عليه على ما يأتي بأن المدار ثم على الحفظ ومثله فيه بمنزلته من كل وجه فلا تعدي بوجه وهنا على رعاية غرض الموكل فقد لا يظهر له غرض ويكون له غرض خفي فاقتضت مخالفته الضمان ، ولو فللوكيل شراؤه من المشتري ، ولو قال : اشتر لي عبد فلان وكان فلان قد باعه فللوكيل طلاقها أيضا في العدة ، قاله قال : طلق زوجتي ثم طلقها الزوج البغوي في فتاويه