( ومن ألف من المسجد ) وإن لم يكن من المساجد العظام خلافا للأذرعي ، ومثله المدرسة ( موضعا يفتى فيه ) الناس ( أو يقرأ ) فيه قرآنا أو علما شرعيا أو آلة له ، أو لتعلم ما ذكر كسماع درس بين يدي مدرس لكن بشرط أن يفيد أو يستفيد كما قاله الأذرعي ، وإلا فلا يستحق شيئا ( كالجالس في شارع لمعاملة ) فيأتي فيه التفصيل المار بل أولى لأن له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس ، وحديث النهي عن يستحق مخصوص بما عدا ذلك ، اتخاذ المساجد وطنا
وأفهم كلام المصنف عدم اشتراط إذن الإمام ، وهو كذلك ولو لمسجد كبير أو جامع اعتيد الجلوس فيه بإذنه في أوجه الوجهين لقوله تعالى { وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا } ولغيره الجلوس في مقعده ، ومحل تدريسه مدة غيبته التي لا يبطل حقه بها لئلا تتعطل منفعة الموضع في الحال ، وكذا حال جلوسه لغير الإقراء أو الإفتاء فيما يظهر لأنه إنما استحق الجلوس فيه لذلك لا مطلقا وما ذكره المصنف في المسجد هو المنقول في الروضة وأصلها عن العبادي والغزالي ، وقال الشيخان : إنه أشبه بمأخذ الباب ، ونقله في شرح عن الأصحاب ، وهو المعتمد وإن نوزع فيه ( ولو جلس فيه ) أي المسجد [ ص: 346 ] ( لصلاة ) وإن لم يدخل وقتها أو كان الجالس صبيا في الصف الأول فيما يظهر أو استماع حديث أو وعظ ، سواء أكان له عادة بالجلوس بقرب كبير المجلس وانتفع الحاضرون بقربه منه لعلمه ونحوه أم لا كما رجحه في الروضة ( لم يصر أحق به في غيرها ) أي الصلاة ونحوها مما مر لأن لزوم بقعة معينة للصلاة غير مطلوب بل ورد النهي عنه ، [ ص: 347 ] وحينئذ فلا نظر لأفضلية القرب من الإمام أو جهة اليمين وإن انحصر في موضع بعينه لما تقرر من النهي الشامل لهذه الصورة فزال اختصاصه عنها بمفارقتها بعد الصلاة حتى لا يألفها فيقع في رياء ونحوه ، وفارق مقاعد الأسواق بأن غرض المعاملة يختلف باختلافها ، والصلاة ببقاع المسجد لا تختلف ، واعتراض مسلم الرافعي بأن ثوابها في الصف الأول أكثر رد بأنه لو ترك له موضعه منه وأقيمت لزم عدم اتصال الصف المستلزم لنقصها فإن تسويته من تمامها ومجيئه في أثنائها لا يجبر الخلل الواقع في أولها وبأن الصف الأول لا يتعين له محل من المسجد بل هو ما يلي الإمام في أي محل كان منه ، فثوابه غير مختلف باختلاف بقاعه ، بخلاف مقاعد الأسواق فإنها مختلفة في ذاتها من حيث اختصاص بعضها بكثرة الواردين فيه وبالوقاية من نحو حر وبرد ، وهذا أولى من الجواب الأول لأنه يلزم قائله التفرقة بين مجيئه قبل فيبقى حقه وبين أن يتأخر عن الإقامة فيبطل حقه ، وهم لم يقولوا بذلك .
وفارق أيضا بيت المدرسة إذا فارقه ساكنه بأن المسجد لا يقصد السكنى فيه ، وإنما تؤلف بقاعه لأجل الصلاة فيها ، بخلاف بيوت المدارس تقصد السكنى بها فاعتبر ما يشعر بالإعراض عنها وهو الغيبة الطويلة ( فلو فارقه ) ولو قبل دخول الوقت فيما يظهر ( لحاجة ) كقضاء حاجة ورعاف وتجديد وضوء وإجابة داع ( ليعود لم يبطل اختصاصه في تلك الصلاة ) وما ألحق بها ( في الأصح ) فيحرم على غيره العالم به الجلوس فيه بغير إذنه وظن رضاه كما هو ظاهر ( وإن لم يترك إزاره فيه ) لخبر السابق آنفا ، والثاني يبطل كغيرها من الصلوات . مسلم
نعم إن أقيمت الصلاة فاتصلت الصفوف فالوجه كما بحثه الأذرعي سد الصف مكانه ، وما استثناه الزركشي من حق السبق ، وهو أنه لو قعد خلف الإمام وليس أهلا للاستخلاف أو كان ثم من هو أحق منه بالإمامة فيؤخر ويتقدم الأحق بموضعه لخبر " ليليني منكم أولو الأحلام والنهى " مردود ، إذ الاستخلاف نادر ولا يختص بمن هو خلفه ، وكيف يترك حق ثابت لمتوهم على أن عموم كلامهم صريح في رده ، ولا شاهد له في الخبر ولا غيره كما أفهمه كلام المصنف بفرش سجادة له قبل حضوره فللغير تنحيتها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه ولو قيل [ ص: 348 ] بحرمة فرشها كما يفعل بالروضة الشريفة وخلف مقام سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا لم يبعد لما فيه من التضييق على الناس وتحجير المسجد ، ولا نظر لتمكنهم من تنحيتها لأن أكثرهم يهاب ذلك فهو قياس حرمة وإن كان له قطعه لأنه يهابه على أنه يترتب عليه من المفاسد ما لا يخفى ، وخرج بالصلاة جلوسه لاعتكاف ، فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه ولو لحاجة وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة كما لو خرج لغيرها ناسيا كما بحثه صوم المرأة بحضرة زوجها الشيخ رحمه الله تعالى ، ويسن منع من ويمنع من هو بحريمه إن أضر بأهله ، ويندب منع الناس من جلس فيه لمبايعة أو حرفة وغيرها توقيرا لهم استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع