( فصل ) في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض ( المعدن ) هو حقيقة البقعة التي أودعها الله تعالى جواهر ظاهرا وباطنا ، سميت بذلك لعدون : أي إقامة ما أثبته الله فيها ، والمراد ما فيها ( الظاهر وهو ما يخرج ) جوهره ( بلا علاج ) في بروزه ، وإنما العلاج في تحصيله ( كنفط ) بكسر أوله ويجوز فتحه دهن معروف ( وكبريت ) بكسر أوله أصله عين تجري فإذا جمد ماؤها صار كبريتا وأعزه الأحمر ، ويقال إنه من الجواهر ولهذا يضيء في معدنه ( وقار ) أي زفت ( وموميا ) بضم أوله وبالمد وحكي القصر : شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد ويصير كالقار ، وقيل حجارة سود باليمن ويؤخذ من عظام موتى الكفار شيء يسمى بذلك وهو نجس أي متنجس ( وبرام ) بكسر أوله جمع برمة بضمها : حجر يعمل منه قدور الطبخ ( وأحجار رحى ) ونورة ومدر وملح مائي أو جبلي إن لم يحوج إلى حفر وتعب أو ألحق به قطعة نحو ذهب أظهرها السيل من معدن ( لا يملك ) بقعة ونيلا بالإحياء لمن علمه قبل إحيائه ( ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع ) بالرفع من نحو سلطان بل هو مشترك بين الناس مسلمهم وكافرهم كالماء والكلإ لما صح { مأرب } أي مدينة قرب أنه صلى الله عليه وسلم أقطع رجلا ملح صنعاء كانت بها { بلقيس } وللإجماع على منع إقطاع مشارع الماء وهذا مثلها بجامع الحاجة العامة وأخذها بغير عمل ، ويمتنع أيضا فقال رجل : يا رسول الله إنه كالماء العد ، قال : فلا إذن ، وظاهر كلامه نفي [ ص: 350 ] إقطاع التملك والارتفاق وهو كذلك وإن قيد إقطاع وتحجر أرض لأخذ نحو حطبها وصيدها وبركة لأخذ سمكها الزركشي المنع بالأول ، وذكر في الأنوار أن من المشترك بين الناس الممتنع على الإمام إقطاعه الأيكة وثمارها وصيد البر والبحر وجواهره ، قال غيره : ومنه ما يلقيه البحر من العنبر فهو لآخذه ، وما ذكره في الأيكة وثمارها يخالفه ما في التنبيه من أن من أحيا مواتا ملك ما فيه من النخل وإن كثر .
ويمكن الجمع بحمل الأول على قصد الأيكة دون محلها ، والثاني على قصد إحياء الأرض المشتملة على ذلك فيدخل تبعا ، وعلم من ذلك أن من ملك أرضا بالإحياء ملك ما فيها حتى الكلأ ، وإطلاقهما أنه لا يملك يمكن حمله على ما ليس في مملوك وعلى عدم ملكه هو أحق به ، أما إذا لم يعلم إلا بعد الإحياء فيملكه بقعة ونيلا إجماعا على ما حكاه الإمام ، وأما ما فيه علاج كما لو كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر الملح فيملك بالإحياء وللإمام إقطاعها ( فإن ضاق نيله ) أي الحاصل منه عن اثنين تسابقا إليه ، ومثله في هذا الباطن الآتي ( قدم السابق ) منهما لسبقه ، وإنما يقدم ( بقدر حاجته ) عرفا فله أخذ ما تقتضيه عادة أمثاله ، ويبطل حقه بانصرافه وإن لم يأخذ شيئا ( فإن طلب زيادة ) على حاجته ( فالأصح إزعاجه ) إن زوحم على الزيادة ، لأن عكوفه عليه كالتحجر ، والثاني يأخذ منه ما شاء لسبقه ، وفارق ما مر في نحو مقاعد الأسواق بشدة الحاجة إلى المعادن ، ومحل الخلاف عند انتفاء إضرار الغير ، وإلا أزعج جزما ( فلو جاءا ) إليه ( معا ) أو جهل السابق ولم يكفهما الحاصل منه لحاجتهما ، أو تنازعا في الابتداء ( أقرع بينهما في الأصح ) لانتفاء المرجح ، فإن وسعهما اجتمعا ، وليس [ ص: 351 ] لأحد أخذ أكثر من الآخر برضاه قاله في الجواهر ، وهو محمول على أخذ الأكثر من البقعة لا النيل إذ له أخذ الأكثر منه ، ولا فرق كما هو ظاهر كلام المصنف بين أخذ أحدهما للتجارة والآخر للحاجة أو لا .
نعم لو كان أحدهما مسلما والآخر ذميا قدم المسلم كما بحثه الأذرعي في نظير ما مر في مقاعد الأسواق ، ومقابل الأصح يجتهد الإمام ويقدم من يراه أحوج ، وقيل ينصب من يقسم الحاصل بينهما ( والمعدن الباطن وهو ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ونحاس ) ورصاص وفيروزج وعقيق وسائر الجواهر المبثوثة في الأرض ، وعد في التنبيه الياقوت من المعادن الظاهرة ، وجرى عليه الدميري ، والمجزوم به في الروضة وأصلها أنه من الباطنة ( لا يملك ) محله ( بالحفر والعمل ) مطلقا ولا بالإحياء في موات على ما يأتي ( في الأظهر كالظاهر ) .
والثاني يملك بذلك إذا قصد التملك كالموات ، وفرق الأول بأن الموات يملك بالعمارة وحفر المعدن تخريب ، ولأن الموات إذا ملك يستغني المحيي عن العمل والنيل مبثوث في طبقات الأرض يحوج كل يوم إلى حفر وعمل وخرج بمحله نيله فيملك من غير إذن الإمام بالأخذ قطعا لا قبل الأخذ على الأصح ، وأفهم سكوته هنا عن الإقطاع جوازه وهو كذلك للاتباع بالنسبة للإرفاق لا للتملك .
نعم لا يثبت فيه اختصاص بتحجر كالظاهر .