( والمياه المباحة ) بأن لم تملك ( من الأودية ) كالنيل والفرات ودجلة ( والعيون ) الكائنة ( في الجبال ) [ ص: 352 ] ونحوها من الموات وسيول الأمطار ( يستوي الناس فيها ) لخبر { الناس شركاء في ثلاث : الماء ، والكلأ ، والنار } وصح { } فلا يجوز لأحد تحجرها ولا للإمام إقطاعها بالإجماع وعند ثلاثة لا يمنعن : الماء والكلأ والنار يقدم الأسبق وإلا أقرع بينهما ، وليس للقارع تقديم دوابه على الآدميين ، إذ الظامئ مقدم على غيره وطالب الشرب على طالب السقي ، وما جهل أصله وهو تحت يد واحد أو جماعة لا يحكم عليه بالإباحة لأن اليد دليل الملك . الازدحام مع ضيق الماء أو مشرعه
ومحله كما قاله الأذرعي إذا كان منبعه من مملوك لهم ، بخلاف ما منبعه بموات أو يخرج من نهر عام كدجلة فإنه باق على إباحته ، ويعمل فيما جهل قدره ووقته وكيفيته في المشارب والمساقى وغيرها بالعادة المطردة لأنها محكمة في هذا وأمثاله ، والأوجه أن من تأثيم فاعله ، ولا يلزمه أجرة منفعة الأرض مدة تعطيلها لو سقيت بذلك الماء أخذا مما مر في المساقاة ، وقد جرى جمع متأخرون على أنه لو كان كان لأرضه شرب من ماء مباح فعطله آخر بأن أحدث ما ينحدر به الماء عنه كان لذي الأسفل منعه لئلا يتقادم ذلك فيستدل به على أن له شربا من الأوسط ، وأنه لو كان له أرضان عليا فوسطى وبسفلى لآخر شرب من مباح كذلك فأراد أن يجعل للثانية شربا مستقلا ليشربا معا ثم يرسل لمن هو أسفل منه وأراد هذا منعه أنه ليس له منعه إذ لا ضرر عليه وليس فيه تأخير لسقي أرضه ، بل ربما يكون وصول الماء إليه إذا شربا معا أسرع منه إذا شربا مرتبا ( فإن أراد قوم سقي أرضهم ) بفتح الراء بلا ألف ( منها ) أي المياه المباحة ( فضاق سقي الأعلى ) وإن زاد على مرة لأن الماء ما لم يجاوز أرضه هو أحق به ما دامت له به حاجة ( فالأعلى ) وإن هلك زرع الأسفل قبل انتهاء النوبة إليه فإن اتسع سقى من شاء ما شاء ، هذا كله إن أحيوا معا أو جهل الحال . لثلاثة ثلاث مساق من ماء مباح أعلى وأوسط وأسفل [ ص: 353 ] فأراد ذو الأعلى أن يسقي من الأوسط برضا صاحبه
أما لو كان الأسفل أسبق إحياء فهو المقدم ، بل له منع من أراد إحياء أقرب منه إلى النهر وسقيه منه عند الضيق كما اقتضاه كلام الروضة وصرح به جمع لئلا يستدل بقربه بعد على أنه مقدم عليه ثم من وليه في الإحياء وهكذا ، ولا عبرة حينئذ بالقرب من النهر ، وعلم من ذلك أن مرادهم بالأعلى المحيي قبل الثاني وهكذا لا الأقرب إلى النهر ، وعبروا بذلك جريا على الغالب من أن من أحيا يتحرى قربها من الماء ما أمكن لما فيه من سهولة السقي وخفة المؤنة وقرب عروق الغراس من الماء ، ولو استوت أرضون في القرب للنهر وجهل المحيي أو لا أقرع للتقدم ( وحبس كل واحد الماء حتى يبلغ الكعبين ) لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك ، والمراد بما ذكر كما بحثه الأذرعي جانب الكعب الأسفل ومخالفة غيره له محتجا بآية الوضوء مردودة بأن الدال على دخول المغيا في تلك خارجي وجد ثم لا هنا ، والتقدير بهما هو ما عليه الجمهور وما اعترض به [ ص: 354 ] من كون الوجه الرجوع في السقي للعادة والحاجة لاختلافهما زمنا ومكانا ، فاعتبرت في حق أهل كل محل بما هو المتعارف عندهم ، والخبر جار على عادة الحجاز ، فقد قيل إن النخل إن أفردت كل بحوض فالعادة ملؤه وإلا اتبعت عادة تلك الأرض ، يقال عليه لا حاجة لهذا التفصيل لأن كلا من قسميه لم يخرج عن العادة في مثله فكلامهم شامل له ( فإن كان في الأرض ) الواحدة ( ارتفاع ) من طرف ( وانخفاض ) من طرف ( أفرد كل طرف بسقي ) لئلا يزيد الماء في المخفضة على الكعبين لو سقيا معا فيسقى أحدهما حتى يبلغهما ثم يسد عنها ويرسله إلى الآخر ، والظاهر كما قاله السبكي أنه لا يتعين البداءة بالأسفل بل لو عكس جاز ، ومرادهم أن لا تزيد المستقلة على الكعبين كما مر وهو واضح ( وما أخذ من هذا الماء ) المباح ( في إناء ملك على الصحيح ) بل حكى فيه الإجماع ، ولا يصير بإعادته إليه شريكا باتفاق الأصحاب ، والأوجه عدم حرمة صبه عليه ، والفرق بينه وبين رمي المال فيه ظاهر ، وكالأخذ في إناء سوقه لنحو بركة أو حوض مسدود ، وكذا دخوله في كيزان دولابه كما أفتى به ابن المنذر . ابن الصلاح
والثاني لا يملك الماء بحال بل يكون بإحرازه أولى به من غيره ، وخرج بما تقرر دخوله في ملكه بنحو سيل ولو بحفر نهر حتى دخل فلا يملكه بدخوله .
نعم هو أحق به من غيره ، بل جريا في موضع على أنه يملكه ، ويمكن حمله على ما إذا أحرز محله بالقفل عليه ونحوه ( وحافر بئر بموات الارتفاق ) لنفسه بشربه أو شرب دوابه منه لا للتملك ( أولى بمائها ) من غيره فيما يحتاجه منه ولو لسقي زرعه ( حتى يرتحل ) لسبقه إليه ، فإن ارتحل بطلت أحقيته وإن عاد .
ومحله كما قاله الأذرعي ما لم يرتحل بنية العود ولم تطل غيبته .
وأما حفرها لارتفاق [ ص: 355 ] المارة أو لا بقصد نفسه ولا المارة فهو كأحدهم فيشترك الناس فيها ولو مع عدم تلفظه بوقفها كما صرح به الصيمري والماوردي ، ويمتنع عليه سدها وإن حفرها لنفسه لتعلق حق الناس بها فلا يملك إبطاله ( والمحفورة ) في الموات ( للتملك ) أو المحفورة بل والتابعة بدون حفر ( في ملك يملك ) حافرها وملك محلها ( ماءها في الأصح ) إذ هو نماء ملكه كالثمرة واللبن والشجر النابت في ملكه ، والثاني لا يملكه للخبر المار ويجري الخلاف كما قاله الماوردي في كل ما ينبع في ملكه من نفط وملح كما علم مما مر ، وإنما جاز لمكتري دار الانتفاع بماء بئرها لأن عقد الإجارة قد يملك به عين تبعا كاللبن ( وسواء ملكه أم لا لا يلزمه بدل ما فضل عن حاجته ) ولو لزرعه ( لزرع ) وشجر لغيره ، أما على الملك فكسائر المملوكات ، وأما على مقابله فلأنه أولى به لسبقه ( ويجب ) بذل الفاضل عن حاجته الناجزة كما قيد به الماوردي .
قال الأذرعي : ومحله إن كان ما يستخلف منه يكفيه لما يطرأ بلا عوض قبل أخذه في نحو إناء ( لماشية ) إذا كان بقربه كلأ مباح ولم يجد صاحبها ماء آخر مباحا ( على الصحيح ) بأن يمكنه من سقيها منه حيث لم يضر زرعه ولا ماشيته ، وإلا فمن أخذه أو سوقه إليها حيث لا ضرر فيما يظهر لحرمة الروح ومحله عند انتفاء الاضطرار ، وإلا وجب بذله لذي روح محترمة كآدمي وإن احتاجه لماشية وماشيته وإن احتاجه لزرع وقيل يجب للزرع كالماشية وقيل لا يجب للماشية كالماء المحرز ولا يجب بذل فاضل الكلأ لأنه لا يستخلف في الحال ويتمول [ ص: 356 ] في العادة وزمن رعيه يطول بخلاف الماء ، وحيث وجب البذل لم يجز أخذ عوض عليه ، ولا يجب على من وجب عليه البذل إعارة آلة الاستقاء ، ويشترط في بيع الماء تقديره بكيل أو وزن لا بري الماشية والزرع ، والفرق بينه وبين جواز الشرب من ماء السقاء بعوض أن الاختلاف في شرب الآدمي أهون منه في شرب الماشية والزرع ، وجوز ابن عبد السلام إقامة للإذن العرفي مقام اللفظي ثم توقف فيما إذا كان لنحو يتيم أو وقف عام ، ثم قال ولا أرى جواز ورود ألف إبل جدولا ماؤه يسير انتهى . والظاهر الجواز للعلم به من قوله أولا لم يضر بمالكه . الشرب وسقي الدواب من نحو جدول مملوك لم يضر بمالكه