الزركشي أي بأن كان ثقة ( فهي ) كدرها ونسلها ( أمانة بيده ) لأنه يحفظها لمالكها فأشبه المودع ومن ثم ضمنها لو قصر كأن ترك تعريفها على ما يأتي ومحله كما بحثه ( ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا ) وهو أهل للالتقاط لذلك كما أفاده الأذرعي ، وسيأتي عن النكت وغيرها ما يصرح به حيث لم يكن له عذر معتبر في تركه : أي كأن خشي من ظالم أخذها أو جهل وجوبه وعذر فيما يظهر ( فإن دفعها إلى القاضي لزمه القبول ) حفظا لها على صاحبها لأنه ينقلها إلى أمانة أقوى ، وإنما لم يلزمه قبول الوديعة عند انتفاء الضرر لإمكان ردها لمالكها مع التزامه الحفظ ، وكذا لو أخذها للتملك ثم تركه وردها يلزمه القبول ومعلوم عدم جواز دفعها لقاض غير أمين وأنه لا يلزمه القبول وأن الدافع له يضمنها كما صرح به القفال ( ولم يوجب الأكثرون التعريف ) [ ص: 438 ] في غير لقطة الحرم ( والحالة هذه ) أي كونه أخذها للحفظ لأن الشرع إما أوجبه لأجل أن له التملك بعده ، وقال الأقلون يجب : أي حيث لم يخف أخذ ظالم لها كما يعلم مما يأتي لئلا يفوت حق المالك بكتمها ، ورجحه الإمام والغزالي وقواه ، واختاره في الروضة وصححه في شرح ، وهو المعتمد كما قاله مسلم الأذرعي لأن المالك قد لا يمكنه إنشادها لنحو سفر أو مرض ، ويمكن الملتقط التخلص عن الوجوب بالدفع للقاضي الأمين فيضمن بترك التعريف ولا يرتفع به ضمانها لو بدا له بعد ، قال : ولا يلزمه مؤنة التعريف في ماله على القولين وإن نقل الغزالي أن المؤنة تابعة للوجوب ، ولو بدا له قصد التملك أو الاختصاص عرفها سنة من حينئذ ولا يعتد بما عرفه قبله .
أما إذا أخذها للتملك أو الاختصاص فيلزمه التعريف جزما ( فلو قصد بعد ذلك ) أي أخذها للحفظ وكذا بعد أخذها للتملك ( خيانة لم يكن ضامنا ) بمجرد القصد ( في الأصح ) فإن انضم لذلك القصد استعمال أو نقل من محل لآخر ضمن كالمودع فيهما .
والثاني يصير ضامنا بذلك ، وإذا ضمن في الأثناء بخيانة ثم أقلع وأراد أن يعرف ويتملك جاز وخرج بالأثناء ما في قوله ( وإن أخذ بقصد خيانة فضامن ) لقصده المقارن لأخذه ويبرأ بالدفع لحاكم أمين ( وليس له بعد أن يعرف ويتملك ) أو يختص بعد التعريف ( على المذهب ) نظرا للابتداء كالغاصب ، وفي وجه من الطريق الثاني له ذلك نظرا لوجود صورة الالتقاط ( وإن أخذ ليعرف ويتملك ) بعد التعريف ( فأمانة ) بيده ( مدة التعريف وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح ) كما قبل مدة التعريف .
والثاني وبه قال الإمام والغزالي تصير مضمونة عليه إذا كان عزم التملك مطردا كالمستام ، وفرق الأول بأن المستام مأخوذ لحظ آخذه حال الأخذ بخلاف اللقطة ، ولو أخذه لا بقصد حفظ ولا تملك أو لا بقصد خيانة ولا أمانة أو بقصد أحدهما ونسيه فأمانة وله تملكها بشرطه اتفاقا ، ومعلوم أنه يكون في الاختصاص أمينا ما لم يتلف بنفسه أو بغيره ، فإن تلف فلا ضمان أخذا مما مر في الغصب ( و ) عقب الأخذ كما قاله المتولي وغيره ( يعرف ) بفتح أوله ندبا كما [ ص: 439 ] قاله الأذرعي وغيره خلافا لابن الرفعة محل التقاطها و ( جنسها وصفتها ) الشامل لنوعها ( وقدرها ) بعد أو وزن أو كيل أو ذرع ( وعفاصها ) أي وعاءها توسعا إذ أصله جلد يلبس رأس القارورة ، كذا قاله بعضهم تبعا ، لكن عبارة القاموس مصرحة بكونه مشتركا بين الوعاء الذي فيه النفقة جلدا أو خرقة وغلاف القارورة والجلد الذي يغطى رأسها به ( ووكاءها ) بكسر أوله وبالمد : أي خيطها المشدود به لأمره صلى الله عليه وسلم بمعرفة هذين وقيس بهما غيرهما لئلا تختلط بغيرها وليعرف صدق واصفها ، ويستحب تقييدها بالكتابة كما مر خوف النسيان ، أما عند تملكها فالأوجه وجوب معرفة ذلك ليعلم ما يرده لمالكها لو ظهر ( ثم ) بعد معرفته ذلك ( يعرفها ) بضم أوله وجوبا وإن لم يقصد تملكها كما مر بنفسه أو نائبه من غير أن يسلمها له ، ويكون المعرف عاقلا غير مشهور بالخلاعة والمجون ، وإن لم يكن عدلا كما قاله للخطابي ابن الرفعة إن وثق بقوله ولو محجورا عليه بالسفه كما علم مما مر ، وأفهم قولهم ثم عدم وجوب فورية التعريف وهو ما صححاه ، لكن ذهب إلى وجوب الفورية واعتمده القاضي أبو الطيب الغزالي .
قيل : ومقتضى كلام الشيخين جواز التعريف بعد زمن طويل كعشرين سنة وهو في غاية البعد ، والظاهر أن مراده بذلك عدم الفورية المتصلة بالالتقاط انتهى .
والأوجه ما توسطه الأذرعي وهو عدم جواز تأخيره عن زمن تطلب فيه عادة ويختلف بقلتها وكثرتها ، ووافقه البلقيني فقال : يجوز التأخير ما لم يغلب على ظنه فوات معرفة المالك به ولم يتعرضوا له انتهى .
وقد تعرض له في النهاية بما يفيد ذلك ، وفي نكت المصنف كالجيلي أنه لو غلب على ظنه أخذ ظالم لها حرم التعريف وكانت أمانة بيده أبدا : أي فلا يتملكها بعد السنة كما أفتى به الغزالي ، وهو أوجه مما أفتى به ابن الصباغ أنه لو خشي من التعريف استئصال ماله عذر في تركه وله تملكها بعد السنة ( في الأسواق ) عند قيامها ( وأبواب المساجد ) عند خروج الناس منها لأنه أقرب إلى وجدانها ، [ ص: 440 ] ويكره تنزيها كما في المجموع لا تحريما خلافا لجمع مع رفع الصوت بمسجد كإنشادها فيه إلا المسجد الحرام كما قاله الماوردي والشاشي لأنه لا يمكن تملك لقطة الحرم ، فالتعريف فيه محض عبادة ، بخلاف غيره فإن المعرف فيه متهم بقصد التملك ، وبه يرد على من ألحق به مسجد المدينة والأقصى وعلى تنظير الأذرعي في تعميم ذلك لغير أيام الموسم ( ونحوها ) من المحافل والمجامع ومحال الرجال وليكن أكثره بمحل وجودها ولا يجوز له المسافرة بها بل يدفعها لمن يعرفها بإذن الحاكم وإلا ضمن .
نعم لمن وجدها بالصحراء تعريفها لمقصده قرب أم بعد استمر أم تغير ، وقيل : يتعين أقرب البلاد لمحلها واختير وإن جازت به قافلة تبعها وعرفها ، ولو وجد ببيته درهما مثلا وجوز كونه لمن يدخله عرفه لهم للمقر ، قاله القفال .
ويجب في غير الحقير الذي لا يفسد بالتأخير أن يعرف ( سنة ) من وقت التعريف تحديدا للخبر الصحيح فيه لأن السنة لا تتأخر فيها القوافل غالبا كالذمي فيها الفصول الأربعة ، ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها ، ولو جعل التعريف أبدا لامتنع من التقاطها فكانت السنة مصلحة للفريقين ، ولو التقط اثنان لقطة عرفها كل واحد نصف سنة لأن قسمتها إنما تكون عند التملك لا قبله كما قال السبكي إنه الأشبه ، وإن قال ابن الرفعة يعرفها كل سنة لأنه في النصف كلقطة كاملة ، وقد يجب التعريف على كل واحد سنتين بأن يعرف سنة قاصدا حفظها بناء على أن التعريف حينئذ واجب ثم يريد التملك فيلزمه من حينئذ سنة أخرى ، ولا يشترط استيعاب السنة بل يكون ( على العادة ) زمنا ومحلا وقدرا ( يعرف أولا كل يوم مرتين طرفي النهار ) أسبوعا ( ثم كل يوم مرة ) طرفه إلى أن يتم أسبوعا آخر ( ثم كل أسبوع ) مرة أو مرتين : أي إلى أن يتم سبعة أسابيع أخذا مما قبله ( ثم ) في كل ( شهر ) مرة بحيث لا ينسى أن الأخير تكرار للأول وزيد في الأزمنة الأول ; لأن تطلب المالك فيها أكثر وتحديد المرتين وما بعدهما بما ذكر أوجه من قول بعض الشراح ، مرادهم أنه في ثلاثة أشهر يعرف كل يوم مرتين وفي مثلها كل يوم مرة وفي مثلها كل أسبوع مرة وفي مثلها كل شهر مرة ،
والأقرب أن هذا التحديد كله للاستحباب لا الوجوب كما يفهمه ما يأتي أنه تكفي سنة مفرقة على أي وجه كان التفريق بقيده الآتي ( ولا تكفي سنة متفرقة ) كأن يعرف اثني عشر شهرا من اثني عشر عاما ( في الأصح ) لأن المفهوم من السنة في الخبر التوالي ، وكما لو حلف لا يكلم زيدا سنة ( قلت : الأصح يكفي ، والله أعلم ) لإطلاق الخبر ، وكما لو نذر صوم سنة ، ويفرق بين هذا والحلف بأن القصد به الامتناع والزجر ولا يتم ذلك بدون التوالي ، ومحل هذا كما بحثه الأذرعي أن لا يفحش التأخير بحيث ينسى التعريف الأول وإلا وجب الاستئناف واعتبر الإمام وجوب بيان محل وجدانها في التعريف كما مر ، ولو مات الملتقط أثناء التعريف بنى وارثه كما قاله الزركشي والعراقي [ ص: 441 ] رادا قول شيخه إن الأقرب الاستئناف ، كما لا يبني على حول مورثه في الزكاة بحصول المقصود هنا لا ثم لانقطاع حول استرقه بخروج الملك عنه بموته فيستأنف الوارث الحول لابتداء ملكه ( ويذكر ) ندبا ( بعض أوصافها ) في التعريف جنسها أو عفاصها أو وكائها ، ويحرم عليه استيعابها كما صرح به الأذرعي لئلا يعتمدها كاذب ، فإن فعل ضمن كما صححه في الروضة لاحتمال رفعه إلى حاكم يلزم الدفع بالصفات ويفارق جواز استيفائها في الإشهاد بحصر الشهود وعدم تهمتهم ( ولا يلزم مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ ) أو لا لحفظ ولا لتملك أو اختصاص لأن المصلحة للمالك ( بل يرتبها القاضي من بيت المال ) قرضا كما قاله ابن الرفعة ، لكن مقتضى كلامهما أنه تبرع ، واعتمده الأذرعي ويدل عليه قوله ( أو يقترض ) من الملتقط أو غيره ( على المالك ) أو يأمر الملتقط به ليرجع على المالك أو يبيع جزءا منها إن رآه نظير ما مر في هرب الجمال فيجتهد ، ويلزمه فعل الأحظ للمالك من هذه الأربعة فإن أنفق على وجه غير ما ذكر فمتبرع ، وسواء في ذلك أوجبنا التعريف أم لا على ما اعتمده السبكي والعراقي ونقله عن جمع ، لكن الذي في الروضة كأصلها إن أوجبناه فعليه المؤنة وإلا فلا
( وإن أخذها ) غير محجور عليه ( للتملك ) أو الاختصاص ابتداء أو في الأثناء ولو بعد لقطه لحفظ ( لزمه ) مؤنة التعريف وإن لم يتملك بعد ذلك لأن الحفظ له في ظنه وقت التعريف ( وقيل إن لم يتملك فعلى المالك ) لعود الفائدة له ، وعبر عن حكاية هذا في الروضة بقوله وقيل : إن ظهر المالك فعليه وهو الأولى ليشمل ظهوره بعد التملك ، أما المحجور عليه فلا يخرج وليه مؤنته من ماله وإن رأى التملك يسترقيه له بل يرفع الأمر إلى الحاكم ليبيع جزءا منها لمؤنته وإن نازع الأذرعي فيه ( والأصح أن الحقير ) قيل هو دينار وقيل درهم وقيل وزنه وقيل دون نصاب السرقة والأصح عندهما عدم تقريره بل ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا ( لا يعرف سنة ) لأن فاقده لا يتأسف عليه سنة .
والثاني يعرف سنة لعموم الأخبار ، وأطال جمع في ترجيحه بأن الذي عليه الأكثرون وهو الموافق لقولهما بتعريف الاختصاص سنة ثم يختص به ، ودفع بأن الكلام كما هو واضح في اختصاص عظيم المنفعة يكثر أسف فاقده عليه سنة غالبا ( بل ) الأصح أنه لا يلزمه أن يعرفه إلا ( زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه ) بعده ( غالبا ) ويختلف باختلافه فدانق الفضة حالا والذهب نحو ثلاثة أيام ، وبما قررنا به كلامه الدال عليه السياق اندفع ما قيل الأولى أن يقول لا يعرض عنه أو إلى زمن يظن أن فاقده يعرض عنه فيجعل ذلك الزمن غاية لترك التعريف لا ظرفا [ ص: 442 ] للتعريف ، ولهذا أشار الشارح لرده بقوله بعد ذلك الزمن ومحل ما تقرر في المتمول ، أما غيره كحبة زبيب فإنه يستبد واجده به ولو في حرم مكة كما هو ظاهر ، فقد سمع عمر رضي الله عنه من ينشد في الطواف زبيبة : فقال : إن من الورع ما يمقته الله ، ورأى { } ولا يشكل ذلك بكون الإمام يلزمه أخذ المال الضائع لحفظه لأن ذلك يقتضي إعراض مالكها عنها وخروجها عن ملكه فهي الآن مباحة فتركها لمن يريد تملكها مشيرا به إلى ذلك ، ويجوز أخذ سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها ، وقول تمرة في الطريق فقال لولا أخشى أن تكون صدقة لأكلتها الزركشي : ينبغي تخصيصه بما لا زكاة فيه أو لمن يحل له كالفقير مردود بأن الأوجه اغتفار ذلك كما جرى عليه السلف والخلف ، وما بحثه بعضهم من تقييده بما ليس فيه حق لمن لا يعبر عن نفسه اعترضه البلقيني بأن ذلك إنما يظهر في نحو الكسر مما قد يقصد وسبقت اليد إليه بخلاف السنابل ، وألحق بها أخذ ماء مملوك آبقا به عادة كما مر .