الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1417 [ ص: 278 ] ص: فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار، وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا قد رأينا مواضع في الصلاة فيها ذكر، فمن ذلك التكبير للدخول في الصلاة، ومن ذلك التكبير للركوع والسجود والقيام من القعود، فكان ذلك التكبير تكبيرا قد وقف العباد عليه وعلموه، ولم يجعل لهم أن يجاوزوه إلى غيره، ومن ذلك ما يشهدون به في القعود، فقد علموه ووقفوا عليه ولم يجعل لهم أن يأتوا مكانه بذكر غيره; لأن رجلا لو قال مكان قوله: الله أكبر: الله أعظم أو الله أجل. كان في ذلك مسيئا، ولو تشهد رجل بلفظ مخالف للفظ التشهد الذي جاءت به الآثار عن رسول الله - عليه السلام - وأصحابه كان في ذلك مسيئا، وكان بعد فراغه من التشهد الأخير قد أبيح له من الدعاء ما أحب، فقيل له فيما روى ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب"، فكان قد وقف في كل ذكر على ذكر بعينه ولم يجعل له مجاوزته إلى ما أحب، إلا ما وقف عليه من ذلك، وإن استوى ذلك في المعنى، فلما كان في الركوع والسجود قد أجمع على أن فيهما ذكرا، ولم يجمع أنه أبيح له فيهما كل الذكر، كان النظر على ذلك أن يكون ذلك الذكر كسائر الذكر في صلاته من تكبيره، وتشهده، ، وقوله: سمع الله لمن حمده، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد، ويكون ذلك قولا خاصا لا ينبغي لأحد مجاوزته إلى غيره، كما لا ينبغي له في سائر الذكر الذي في الصلاة، ولا يكون له مجاوزة ذلك إلى غيره إلا بتوقيف من الرسول - عليه السلام -، له على ذلك; فثبت بذلك قول الذين وقتوا في ذلك ذكرا خاصا وهم الذين ذهبوا إلى حديث عقبة ، - رضي الله عنه - ما فصل فيه من القول في الركوع والسجود، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: خلاصة هذا أن الصلاة فيها أذكار متعينة لم يجعل للمصلي أن يتعداها إلى غيرها، كتكبيرة الافتتاح، وتكبيرة الركوع والسجود، والتشهد; فإن هذه أذكار متعينة، حتى لو أتى بذكر يشابه واحدا من ذلك في معناه، يكون مسيئا وإن كان لا تفسد به صلاته، وفيها ذكر غير متعين كالأدعية بعد الفراغ من التشهد الأخير، بتخيير له من الشارع بقوله: "ثم ليتخير من الدعاء ما أحب". ولما كان الإجماع على [ ص: 279 ] أن في الركوع والسجود ذكرا، ولكن لم يجمع على أنه يأتي فيهما بكل الذكر، لعدم التوقيف فيه; فكان النظر والقياس على ذلك أن يكون ذكرهما كسائر الأذكار المتعينة، نحو التكبير والتشهد والتسميع والتحميد، ويكون ذلك قولا خاصا لا ينبغي لأحد مجاوزته إلى غيره، كما ليس له ذلك فيما ذكرنا من الأذكار إلا ما فيه توقيف من الرسول - عليه السلام -.

                                                قوله: "قد وقف العباد عليه" جملة وقعت صفة لقوله: "تكبيرا".

                                                قوله: "كان في ذلك مسيئا" لعدم إتيانه بما أتى به الشرع، ولكن لا تفسد صلاته لما ذكرنا.

                                                قوله: "فقيل له" أي قيل للمصلي فيما روي عن عبد الله بن مسعود، ويأتي ذلك عن قريب إن شاء الله تعالى.

                                                قوله: "فثبت بذلك" نتيجة ما قبله من الكلام.

                                                قوله: "الذين وقتوا" أي عينوا.

                                                قوله: "على ما فصل فيه" أي ميز وبين، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية