الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1216 ص: فذهب قوم إلى هذه الآثار التي رويناها، وقالوا: لا نرى أن يقرأ أحد في الظهر والعصر البتة.

                                                [ ص: 8 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 8 ] ش: أراد بالقوم هؤلاء: سويد بن غفلة والحسن بن صالح وإبراهيم بن علية ومالكا في رواية; فإنهم ذهبوا إلى هذه الآثار التي رويت عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وقلدوها، وقالوا: لا قراءة في الظهر والعصر أصلا.

                                                ثم اعلم أن العلماء اختلفوا في القراءة في الصلاة، فقالت طائفة: القراءة في الصلوات مستحبة غير واجبة، وإليه ذهب الأصم وابن علية والحسن بن صالح وابن عيينة، حتى لو لم يقرأ مع القدرة عليها تجزئه صلاته.

                                                وقال الشافعي: فرض في الكل. وقال مالك: فرض في ثلاث ركعات.

                                                وقال الحسن: فرض في واحدة. وقال أصحابنا: فرض في الركعتين من غير تعيين. وقال عياض: فذهب جمهور العلماء إلى وجوب أم القرآن للإمام والفذ في كل ركعة، وهو مشهور قول مالك، وعنه أيضا: أنها واجبة في كل الصلاة، وهو قول إسحاق، وعنه: أنها إنما تجب في ركعة. قاله المغيرة والحسن، وعنه: أنها لا تجب في شيء من الصلاة وهو أشذ رواياته، وهو مذهب أبي حنيفة، إلا أن أبا حنيفة يشترط أن يقرأ غيرها من القرآن في جل الصلاة، وذهب الأوزاعي إلى أنها تجب في نصف الصلاة، وحكي عن مالك .

                                                ثم اختلف بعد ذلك من لم يعين قراءة أم القرآن في الصلاة ما يجزئه من غيرها من القرآن؟ بعد إجماعهم على أن لا صلاة إلا بقراءة في الركعتين الأوليين إلا ما قاله الشافعي فيمن نسي القراءة في صلاته كلها: تجزئه ويعذر بالنسيان على ما روي عن عمر - رضي الله عنه - ولم يصح عنه، وقد أنكره مالك، وروي أن عمر أعاد ، ثم رجع الشافعي عن هذا.

                                                [ ص: 9 ] وقال أبو حنيفة: يجزئ أن يقرأ آية من القرآن. وقال أصحابه: ثلاثا أو آية طويلة.

                                                وقال الطبري: سبع آيات بقدر أم القرآن من آيها وحروفها، وذهب أبو حنيفة إلى أن القراءة في الركعتين الأخريين لا تجب، وقاله الثوري والأوزاعي، وخالفهم الجمهور فأوجبوها على اختلاف مذاهبهم، وحكى ابن المواز عن ابن أبي سلمة وربيعة وعلي بن أبي طالب: أن القراءة في الصلاة ليست من فروضها، وإليه ذهب محمد بن أبي، وحكى الداودي عن علي وابن أبي سلمة وطائفة أن فرض القراءة مع الذكر، وأما الناسي فيجزئه القيام والركوع والسجود.

                                                وقال أبو عمر: وأما اختلاف العلماء في هذا الباب، فإن مالكا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وداود وجمهور أهل العلم قالوا: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وقال ابن خوازبنداد المالكي البصري: وهي عندنا متعينة في كل ركعة قال: ولم يختلف قول مالك أنه من نسيها في ركعة من صلاة أو ركعتين أن صلاته تبطل أصلا ولا تجزئه، واختلف قوله فيمن تركها ناسيا في ركعة من صلاة رباعية أو ثلاثية، فقال مرة: يعيد الصلاة ولا تجزئه، وهو قول ابن القاسم وروايته واختياره من قول مالك، وقال مرة أخرى: يسجد سجدتي السهو وتجزئه، وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عنه، قال: وقد قيل: إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام، قال: وقال الشافعي وأحمد بن حنبل: لا تجزئه حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة. وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي: إن تركها عامدا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزأه على اختلاف عن الأوزاعي في ذلك، وقال الطبري: يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن عدد آياتها وحروفها. وقال أبو يوسف ومحمد: ثلاث آيات أو آية طويلة كآية الدين، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية