الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1474 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فلما كشفنا وجوه هذه الآثار المروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في القنوت، ، فلم نجد ما يدل على وجوبه الآن في صلاة الفجر، لم نؤمر به فيها، وأمرنا بتركه مع أن بعض أصحاب النبي - عليه السلام - قد أنكره أصلا، كما حدثنا علي بن معبد ، وحسين بن نصر وعلي بن شيبة ، عن يزيد بن هارون، قال: أنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، قال: قلت لأبي: " : يا أبه، إنك قد صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر، وخلف عمر، وخلف عثمان، وخلف علي ها هنا بالكوفة ، قريبا من خمس سنين، أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني، محدث". .

                                                قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فلسنا نقول: إنه محدث على أنه لم يكن، وقد كان، ولكنه قد كان بعده ما قد رويناه في هذا الباب قبله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي أخرجها في هذا الباب.

                                                قوله: "لم نؤمر" جواب قوله "فلما" وهو على صيغة المجهول، وكذلك قوله: "وأمرنا" على صيغة المجهول، أي لم نؤمر بالقنوت في صلاة الصبح، وأمرنا بترك القنوت.

                                                قوله: "مع أن بعض أصحاب النبي - عليه السلام - قد أنكره أصلا" تأكيد لقوله: "فلم نجد ما يدل على وجوبه الآن في صلاة الفجر" أي قد أنكر القنوت في الصبح أصلا، وأراد بهذا البعض الذي أنكر القنوت أصلا: هو طارق بن أشيم الصحابي، فإن ابنه سعد بن طارق لما سأله عنه، قال: "أي بني" أي يا بني "محدث" أي إن القنوت في [ ص: 362 ] صلاة الصبح محدث، وليس معناه أنه لم يكن ثم كان، ولكن معناه أنه كان في زمن النبي - عليه السلام - مدة، ثم انتسخ، ثم أحدثوه بعده - عليه السلام -، فلذلك قال: يا بني محدث، وكذا فسره ابن حبان في روايته: "بدعة" أي ابتدع به بعد النبي - عليه السلام - بعد أن كان قد ارتفع حكمه وانتسخ.

                                                وأخرجه الطحاوي بإسناد صحيح عن علي بن معبد بن نوح المصري ، وحسين بن نصر بن المعارك البغدادي ، وعلي بن شيبة بن الصلت السدوسي، ثلاثتهم عن يزيد بن هارون الواسطي روى له الجماعة، عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق روى له الجماعة البخاري مستشهدا، عن أبيه طارق .

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا يزيد بن هارون ، عن أبي مالك الأشجعي قال: "قلت لأبي: يا أبه، إنك قد صليت خلف رسول الله - عليه السلام -، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - ها هنا بالكوفة نحوا من خمس سنين، كانوا يقنتون؟ قال: أي بني، محدث".

                                                وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

                                                وأخرجه ابن حبان أيضا في "صحيحه" ، ولفظه: "صليت خلف النبي - عليه السلام - فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر - رضي الله عنه - فلم يقنت، وصليت خلف عمر - رضي الله عنه - فلم يقنت، وصليت خلف عثمان - رضي الله عنه - فلم يقنت، وصليت خلف علي - رضي الله عنه - فلم يقنت، ثم قال: يا بني، إنها بدعة".

                                                وكذا أخرجه النسائي في "سننه" : عن قتيبة ، عن خلف ، عن أبي مالك الأشجعي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ، وقد ذكرناه.

                                                [ ص: 363 ] وممن أنكر القنوت من الصحابة: عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - حيث قال: "ما القنوت؟ وما رأيت أحدا يفعله" حين سأله أبو الشعثاء عنه، وقد مر ذكره مستوفى عن قريب.

                                                وروى ابن عبد البر عن ابن عمر وطاوس: أن القنوت في الفجر بدعة، وكان ممن ينكره من التابعين أيضا: الزهري ، ويحيى الأنصاري ، وإبراهيم النخعي- رحمهم الله.




                                                الخدمات العلمية