1512 ص: فهذا عبد الله بن مسعود لم يكن يقنت في دهره كله، وقد كان المسلمون في قتال عدوهم في كل ولاية عمر ، - رضي الله عنه -، أو في أكثرها، فلم يكن يقنت لذلك، وهذا أبو الدرداء ينكر القنوت، ، وابن الزبير لا يفعله، وقد كان محاربا حينئذ لأنا لم نكن نعلم أم الناس إلا في وقت ما كان الأمر صار إليه.
فقد خالف هؤلاء عمر وعلي بن أبي طالب 5 وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - فيما ذهبوا إليه من القنوت في حال المحاربة بعد ثبوت زوال القنوت في حال عدم المحاربة، فلما اختلفوا في ذلك، وجب كشف ذلك من طريق النظر لنستخرج من المعنيين معنى صحيحا، فكان ما قد روينا عنهم أنهم قنتوا فيه من الصلوات لذلك الصبح والمغرب خلا ما روينا عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان يقنت في صلاة العشاء" فإن ذلك يحتمل أيضا أن تكون هي المغرب، ويحتمل أن تكون هي العشاء الآخرة، ولم نعلم عن أحد منهم أنه قنت في ظهر ولا عصر في حال حرب ولا غيره، فلما كانت هاتان الصلاتان لا قنوت فيهما في حال الحرب ولا في حال عدم الحرب، وكان الفجر والمغرب والعشاء لا قنوت فيهن في حال عدم الحرب; ثبت أن لا قنوت [ ص: 387 ] فيهن في حال الحرب أيضا، وقد رأينا الوتر فيها القنوت عند أكثر الفقهاء في سائر الدهر، وعند خاص منهم في ليلة النصف من شهر رمضان خاصة، فكانوا جميعا إنما يقنتون لتلك الصلاة خاصة لا لحرب ولا لغيره.
فلما انتفى أن يكون القنوت فيما سواها يجب لعلة الصلاة خاصة، لا لعلة غيرها، انتفى أن تكون تجب لمعنى سوى ذلك.
فثبت بما ذكرنا أنه قياسا ونظرا على ما ذكرنا من ذلك، وهو قول لا ينبغي القنوت في الفجر في حال حرب ولا غيره، أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.