الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1634 1635 ص: وكان من الحجة للفريقين جميعا على أهل المقالة الأولى: أن ما روي عن النبي - عليه السلام - من قوله: " تحليلها التسليم" إنما روي عن علي - رضي الله عنه -، فقد روي عن علي - رضي الله عنه - من رأيه في مثل ذلك ما يدل على أن معنى قول رسول الله - عليه السلام - ذلك كان عنده على غير ما حمله عليه أهل المقالة الأولى.

                                                فذكروا ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم ، عن أبي عوانة ، عن الحكم ، عن عاصم بن ضمرة، عن علي - رضي الله عنه - قال: "إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته".

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذا علي - رضي الله عنه - قد روى عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "وتحليلها التسليم" ولم يكن ذلك عنده على أن الصلاة لا تتم إلا بالتسليم إذ كانت تتم عنده بما هو قبل التسليم، وكان معنى "وتحليلها التسليم" عنده إنما هو التحليل الذي ينبغي أن يحل به لا بغيره، والتمام الذي لا يجب -بما يحدث بعده إعادة الصلاة- غيره.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي كان من الدليل والبرهان لأهل المقالتين على أهل المقالة الأولى، ملخص هذا: أن استدلال أهل المقالة الأولى بالحديث المذكور على ما ذهبوا [ ص: 534 ] إليه غير صحيح; لأن هذا الحديث روي عن علي - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام -، وروي عنه أيضا من رأيه واجتهاده ما يدل على أن معنى قوله - عليه السلام -: "وتحليلها السلام" ليس على ما حمله أهل المقالة الأولى، وهو قوله: "إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته".

                                                وأخرجه بإسناد صحيح عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي ، عن علي - رضي الله عنه -.

                                                فدل هذا أنه ليس معنى ما رواه عن النبي - عليه السلام - أن الصلاة لا تتم إلا بالتسليم; لأن تمام الصلاة عنده بشيء هو قبل التسليم، وهو رفع رأسه من آخر سجدة، فدل ذلك أن معنى قوله: "تحليلها التسليم" عنده هو التحليل الذي ينبغي أن يحل به لا بغيره. فافهم.

                                                قوله: "إذ كانت" كلمة "إذ" للتعليل.

                                                قوله: "والتمام" مبتدأ وخبره قوله: "غيره" أي غير السلام، وقوله: "إعادة الصلاة" مرفوع بقوله: "لا تجب".

                                                وجواب آخر: أن الحديث المذكور من أخبار الآحاد، والفرضية لا تثبت بها، إلا أنا أثبتنا به الوجوب احتياطا.

                                                فإن قيل: لما أخرج البيهقي أثر علي - رضي الله عنه - قال: عاصم ليس بقوي، وعلي - رضي الله عنه - لا يخالف ما رواه، وإن صح عنه فمجموع ما رواه هو وغيره لا حجة في قول أحد من أمة النبي - عليه السلام - معه - عليه السلام -.

                                                قلت: عاصم وثقه ابن المديني وأحمد بن عبد الله، واحتج به الأربعة، وقوله: وعلي - رضي الله عنه - لا يخالف ما رواه، لخصمه أن يعكس الأمر ويجعل قوله دليلا على نسخ ما رواه; إذ لا يظن به أن يخالف النبي - عليه السلام - إلا وقد ثبت عنده نسخ ما رواه، وقد روي عن جماعة من السلف كقول علي - رضي الله عنه -.

                                                [ ص: 535 ] فروى عبد الرزاق في "مصنفه" : عن ابن جريج، عن عطاء: "فيمن أحدث بصلاته قبل أن يتشهد، قال: حسبه فلا يعيد".

                                                وعن ابن عيينة ، عن ابن جريج، عن عطاء: "إذا رفع الإمام رأسه من السجود في آخر صلاته فقد تمت صلاته وإن أحدث".

                                                وعن قتادة ، عن ابن المسيب: "فيمن يحدث بين ظهراني صلاته، قال: إذا قضى الركوع والسجود فقد تمت صلاته".

                                                وعن الثوري ، عن منصور قلت لإبراهيم: "الرجل يحدث حين يفرغ من السجود في الرابعة وقبل التشهد؟ قال: تمت صلاته".

                                                ثم هذا كله على تقدير تسليم صحة الحديث المذكور، إذ لو اعتبرنا ما قالوا في ابن عقيل يسقط به الاحتجاج.

                                                فإن قيل: فما تقول في حديث الخدري الذي تقدم ذكره؟

                                                قلت: في سنده أبو سفيان طريف السعدي، قال أبو عمر: أجمعوا على أنه ضعيف الحديث، كذا في الإمام، ثم على تقدير صحة الحديث قال أبو عمر: لا يدل على أن الخروج من الصلاة لا يكون إلا بالتسليم إلا بضرب من دليل الخطاب، وهو مفهوم ضعيف عن الأكثرين.




                                                الخدمات العلمية