[ ص: 200 ] فصل
في ذكر منها : شرط الحنفية أمور اشترطت في العلة والصحيح عدم اشتراطها وأبو عبد الله البصري ، فلو وقعت على حكم النص ولم تؤثر في غيره كتعليل الربا في الذهب والفضة بأنهما أثمان فلا يعلل بهما . واعلم أن العلة القاصرة إن كانت منصوصة أو مجمعا عليها صح التعليل بها بالاتفاق ، كما قاله تعدي العلة من الأصل إلى غيره القاضي وابن برهان والهندي وغيرهم ، لكن القاضي عبد الوهاب نقل عن قوم أنها لا تصح على الإطلاق ، سواء كانت منصوصة أو مستنبطة ; قال : وهذا قول أكثر فقهاء العراق ، وإن كانت مستنبطة فهي محض الخلاف . وقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : ونقله في " الحاوي " عن المنع ، وهو ظاهر كلام أبي بكر القفال ابن السمعاني في " الاصطلام " ، لأن العلة ما جذبت حكم الأصل إلى فرعه . ونقل إمام الحرمين عن الحليمي ما يقتضيه فقال : من ينشئ النظر لا يدري أيقع على علة قاصرة أو متعدية ، فإن العلم بصفة العلة غير ممكن حالة إنشاء النظر ، فيجب النظر من هذه الجهة . قال الإمام : وهذا قليل النيل ، فإن الخصم لا ينكر . وهذا الخلاف فيما تحقق قصوره ، فما قول هذا الشيخ إذا انكشف النظر والعلة قاصرة انتهى .
وأصحهما : ونصره في " القواطع " تبعا ، وبه قال جمهور أصحابنا : إنها علة وإن لم يتعد حكم الأصل ، وقال للقاضي أبي بكر القاضي عبد الوهاب : هو قول جميع أصحابنا وأصحاب وحكاه الشافعي الآمدي عن ، لكن أحمد حكى عن أصحابهم مقابله . وقال أبو الخطاب ابن برهان في " الوجيز " : كان الأستاذ أبو إسحاق من الغلاة في تصحيح العلة القاصرة ، ويقول : هي أولى من المتعدية وكذلك القاضي واحتجوا بأن [ ص: 201 ]
وقوفها يقتضي نفي الحكم عن غير الأصل ، كما أوجب تعديها ثبوت حكم الأصل في غيره ، فصار وقوفها مؤثرا في النفي ، كما كان تعديها مؤثرا في الإثبات فاستفيد بوقوفها وتعديها حكم غير الأصل ، فعلى هذا ثبوت الربا في الذهب والفضة بالمعنى دون الاسم .
ويخرج مما سبق حكاية مذهب ثالث : وهو الجواز في المنصوصة دون المستنبطة . قال عبد الوهاب : وحكاه الهمداني عن أبي عبد الله البصري ، والصحيح الجواز مطلقا . ولهذا فوائد :
منها : معرفة الباعث المناسب :
ومنها : . وقولهم : " هذه الفائدة علمت من النص " ممنوع ، فإن النص لم يفد إلا إثبات الحكم خاصة ، وخصه عدم إلحاق غيرها القاضي بما إذا لم يكن هناك غيرها ، وجوزنا اجتماع علتين فباطلاعنا على علة الحكم نزداد علما كنا غافلين عنه والعلم بالشيء أعظم فائدة ، ومن أعظم ما تشوق إليه النفوس الزكية ، ذكره ابن السمعاني .
ومنها : أن . ذكره العلة إذا طابقت النص زاده قوة ويتعاضدان القاضي .
ومنها : أن الفاعل يفعل الفعل لأجلها فيحصل له أجران أجر قصد الفعل والامتثال وأجر قصد الفعل لأجلها ، وهذان القصدان يجوز اجتماعهما فيفعل المأمور لكونه أمر بفعله . ذكره بعض المتأخرين .
ومنها : ، ذكره إذا حدث هناك فرع يشاركه في المعنى علق على العلة وألحق بالمنصوص عليه الماوردي في " الحاوي " في باب الربا [ ص: 202 ] والشيخ أبو إسحاق
وضعف بأن المسألة مفروضة في القاصرة ، ومتى حدث فرع يشاركها في المعنى خرجت عن أن تكون قاصرة . وقد نقل إمام الحرمين عن بعضهم أن فائدتها أنا إذا عللنا تحريم ربا الفضل في النقدين بالنقدية أن يلحق بها التحريم في الفلوس إذا جرت نقودا ، قال الإمام وهذا خرف من قائله وخبط على الفرع والأصل ، فإن المذهب عدم جريان الربا في الفلوس وإن استعملت نقودا فإن النقدية الشرعية مختصة بالمطبوعات ، والفلوس في حكم العروض وإن غلب استعمالها ثم لو صح هذا قيل لصاحبه : إن دخلت الفلوس تحت الدراهم بالنص فالعلة بالنقدية قائمة ، وإن لم يتناولها النص فالعلة متعدية والمسألة مفروضة في القاصرة .
ومنها : ، فإذا ثبت ( النقدية ) علة في النقدين فعدم النقدية مشعر بانتفاء تحريم الربا ، والنص على اللقب لا مفهوم له . ورده أنها تفيد بعكسها الإمام بأن الانعكاس لا يتحتم في العلل .
ومنها : أنه متى زالت الصفة عنه زال الحكم ، ذكره القاضي في " التقريب " ( قال ) : ويجب على هذا تخصيص القاصرة بالتي ثبتت تارة وتزول أخرى وإلا بطلت هذه الفائدة . قلت : ويجوز أن يكون من فوائد الخلاف أنه إذا وجد في مورد النص وصفان قاصر ومتعد وغلب على ظن المجتهد أن القاصرة علة ، ، فعندنا يمتنع إن منعنا اجتماع علتين ، وعند هل يمتنع التعليل بالمتعدية أم لا : لا يمتنع لأنه لا اعتبار لغلبة الظن بغلبة الوصف القاصر . أبي حنيفة
ومن فوائده : وهذا هو وجه جعل إذا عورضت علة الأصل بوصف قاصر ليقطع القياس فاحتاج إلى دفع المعارضة ، فهل يكفي في إفساد الوصف قصوره أو لا يكون ذلك مفسدا ؟ إمام الحرمين في " البرهان " ( القصور ) من الاعتراضات الفاسدة على القياس ، وإلا لم يكن عنده من الاعتراضات ، إذ القصور ينافي القياس ، ثم اختار إمام الحرمين التفصيل بين أن يكون كلام [ ص: 203 ]
الشرع نصا لا يحتمل التأويل ، فلا فائدة في التعليل بالقاصرة ، وبين أن يكون ظاهرا يتأتى تأويله ويمكن تقدير حمله على الكثير مثلا دون القليل ، فإذا نتجت علة توافق ظاهره فهي تعصم من التعليل بعلة أخرى لا ترقى رتبتها على المستنبطة القاصرة ، فالعلة في محل الظاهر كأنها ثابتة في مقتضى النص منه ، متعدية إلى ما اللفظ ظاهر فيه من حيث عصمته من التخصيص والتأويل ، وكان ذلك إفادة وإن لم يكن تعديا حقيقيا .