الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة

                                                      قال في " المحصول : مذهب الشافعي جواز القياس في الرخص ، وهو ظاهر كلام ابن السمعاني فيما سبق . وليس كذلك ، فقد نص الشافعي في " البويطي " على امتناع القياس ، فقال في أوائله : لا يتعدى بالرخصة مواضعها وقال في " الأم " : لا يقاس عليه . وكذلك إن حرم جملة وأحل بعضها . وكذلك إن فرض شيئا رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف في بعضه . ثم قال : وما كان له حكم منصوص ثم كانت لرسوله سنة بتخفيف في بعض الفرض دون بعض عمل بالرخصة فيما رخص فيه دون ما سواها ولم نقس ما سواها عليها . وهكذا ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حكم عام لشيء ثم سن فيه سنة تفارق حكم العام ، كمسح الخفين والعرايا " هذا لفظه ، وذكر في " الرسالة " مثله ، وقال في موضع آخر من " الأم " : [ ص: 75 ] ولا يقاس إلا ما عقلنا معناه ، ولهذا قلنا في المسح على الخفين لا يقاس عليهما عمامة ولا برقع ولا قفازان وكذلك القسامة . وفي موضع آخر : إن المحرم لا يتحلل بالمرض ، والتحلل رخصة فلا يتعدى بها مواضعها . كما أن المسح على الخف رخصة فلم يقس عليه مسح العمامة . انتهى .

                                                      وجرى على ذلك جماعة من أصحابنا منهم الأستاذ أبو منصور البغدادي فقال : لا يجوز القياس عندنا على الرخص وعللوه بأنها تكون معدولا بها عن الأصل وما عدا محل الرخصة يبقى على الأصل ، وقال القاضي الحسين في تعليقه " : لا يجوز القياس في الرخص ، ولهذا لما كان الأصل غسل الرجلين ثم رخص في محل الخف المسح للضرورة فلا يقاس عليه مسح القلنسوة والعمامة . والأصل أن من تلبس بالإحرام لا ينقضي عنه إلا بالإتمام ، ورخص للمحصر بالعدو في التحلل ، ثم لا يقاس عليه المصدود بالمرض . والأصل أن لا يضمن الميت . فأوجب الغرة في الجنين لا على القياس ثم لا يقاس عليه سائر الرخص . والأصل أن الجناية توجب على الجاني فاستثنى منه جناية الخطأ ثم لا يقاس عليها غيرها .

                                                      وقال إلكيا : إنما نمنع القياس على الرخص إذا كانت مبنية على حاجات خاصة لا توجد في غير محل الرخصة فيمتنع القياس لعدم الجامع كغير المسافر يعتبر بالمسافر في رخص السفر إذ يتضمن إبطال تخصيص الشرع . وقد يمتنع أيضا مع شمول الحاجة إذا لم يبن عندنا استواء السببين في الحاجة الداعية إلى شرع القصر مع أن المريض خفف عنه في بعض الجهات ذلك في الرخصة سدا لحاجته ، كالقعود في الصلاة ، وذلك تخفيف في الأركان مقابل للتخفيف في عدد الركعات . انتهى . وألحق القاضي عبد الوهاب القياس على الرخص بالقياس على المخصوص وسيأتي فيه التفصيل الآتي قال : ويحتمل أن [ ص: 76 ] يكون المنع عنه لأن علته قاصرة عليه ، لا من حيث كونه رخصة . وقال القرطبي : يحتمل التفصيل بين أن لا يظهر للرخصة معنى فلا يقاس عليها وبين أن يظهر فيقاس ، وينزل الخلاف على هاتين الحالتين . ورأيت في كلام بعض المالكية التفصيل بين أن يكون الأصل المقيس عليه منصوصا فيجوز ، وبين أن يكون اجتهادا فلا . فحصل مذاهب .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية