الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      واعلم أنه لم يسم مركبا لاختلاف الحكمين في علة حكم الأصل فقط ، كما صار إليه بعضهم ، وإلا لكان كل قياس اختلف في علة أصله مركبا ، وهو باطل ، بل لاختلاف الخصم في تركيب الحكم على العلة في الأصل فإن المستدل . يزعم أن العلة مستنبطة من حكم الأصل وهي فرع له ، والمعترض يزعم أن الحكم في الأصل فرع على العلة ولا طريق إلى إثباته سواها ، ولذلك [ ص: 112 ] يمتنع ثبوته عند انتفائها وبطلانها . وإنما سمي تركيب الأصل لأنه نظر في حكم الأصل . وإن كان لعلة ، ولكن منع الخصم وجودها في الفرع فيسمى مركب الوصف لأجل اختلافهم في نفس الوصف الجامع هل له وجود في الأصل أم لا ؟ وسمي تركيبا في الوصف لأن الحكم الذي وقع التركيب في علته وقع جامعا في القياس فأطلق عليه وصفا لأن أصل الجمع بالأوصاف . ومثاله اختلاف أبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهما في قتل المسلم بالذمي مع اتفاقهما على أن الأب لا يقتل بالولد ، فإذا قاس الشافعي الفرع بالأصل أمكنه أن يجمع بينهما بحكم متفق عليه مختلف في علته ، وذلك الحكم كون المسلم لا يقتل بالذمي إذا قتله بالمثقل ، يلزم من ذلك أن لا يقتل به إذا قتله بالمحدد ، لأن الأب لا يقتل بابنه باتفاقهما محددا أو مثقلا . فالحاصل أنه أخذ من اجتماع الحكمين في الأب واستوائهما في حقه استواؤهما في حق المسلم والذمي ، لكن العلة مختلفة في قتل المسلم بالذمي بالمثقل : فعند أبي حنيفة لكونه مثقلا ، وعند الشافعي لعدم التكافؤ . وكلام الهندي يقتضي تخصيص القياس المركب بالأول فلم يذكر هذا الثاني ، والأصح تناوله للقسمين جميعا ، وعليه جرىالآمدي وابن الحاجب وغيرهما وقد اختلفوا فيهما ، فقبلهما جماعة ، والمختار أنهما لا يقبلان ، لأن الأول لا ينقل عن عدم العلة في الفرع أو منع حكم الأصل ، والثاني لا ينقل عن عدم العلة في الأصل أو منع حكم الأصل .

                                                      وقال إمام الحرمين في " البرهان " : أما مركب الأصل فمنه الشيء المتفاحش ومنه ما لا يتفاحش ، كقوله : أنثى فلا تزوج نفسها كبنت خمس [ ص: 113 ] عشرة ، فالذي ذهب إليه طوائف من الجدليين أنه صحيح ، وحاصل خلافهم يؤول إلى أن الحكم متفق عليه ، والمعلل يلتزم إثبات الأنوثة علة ، فإن أثبتها ثبت به أنها العلة ، وتشعب المذاهب بعد ذلك لا أصل له ، وإن لم يتمكن المعلل من إثبات ما ذكره في الفرع علة في الأصل فالذي جاء به باطل ، وإن لم يكن مركبا . فإذن لا تأثير للتركيب كان أو لم يكن ، وإنما المتبع إثبات علل الأصول قال : وهذا باطل عند المحققين ، فإن المخالف يقول : ظننت الخمس عشرة صغيرة ، ولو كانت كذلك لكان القياس على الصغيرة باطلا كما تقدم إلحاقا بالقياس على مألوف ، قال : وأما التركيب في الوصف فينقسم كذلك كقول الشافعي : قتل المسلم بالذمي لا يستوجب القصاص ، كقتل المثقل لا يوجب قتل السيف كالأب في ابنه ، وصححه بعض الجدليين وهو في غاية الفساد عندنا . وقال إلكيا في تعليقه " : لا يصح القياس في المركب ، لأنه لو صح لتركب عليه مسائل كثيرة ، ولو أن الأولين من الصحابة والسلف يتعرضون له ولم ينقل عنهم ، ونقل عن الداركي أنه قال : التركيب صحيح لكنه يمكن انتقاضه بأن يعارض بالتعدية .

                                                      قال أصحابنا : هذا غفلة منه ولعله قاله في ضيق النظر فاعترض عليه بأنه سلم لخصمه وجود علته وهي الأنوثة وهو لم يسلم وجود علته وهي الصغر . وأيضا فإنه علل وعدى إلى فرع لم يسأل عنه ، والمستدل علل وعدى فتكاسل عنه . قال إمام الحرمين : وهذا من الأصحاب غير صحيح ، [ ص: 114 ] والرجل ما قال ذلك إلا عن نظر وتحقيق . أما قولهم : إنه لم يسلم له خصمه وجود الصغر في الأصل ، وهو قد سلم له وجود الأنوثة ، فلهذا يبنى على أصل وهو أن السائل إذا عارض المستدل معارضته فهل له أن يدل ؟ اختلفوا فيه ، والصحيح أنه يمكن من إقامة الدليل ، لأنه لما عارض فقد نصب نفسه مستدلا فله إقامة الدليل . وهذا مبني على أنه إذا مونع وجود الصغر ذكر علته ويكفيه ذلك .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية