الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      الثالث قال بعضهم : الخلاف في بطلانها لا على المنع من ظن كونها حكمة في مورد النص ، بل على خروجها عن متعلق الأمر الشرعي إذا لم تظهر له فائدة تزيد على مقتضى النص ، والمحققون على صحتها ، لصحة ورود الشرع بها ، ولمساواتها للعلة المتعدية في استجماع شرائط الصحة والقصور ، [ ص: 205 ] إذ ما من متعدية إلا وهي قاصرة من وجه ، فلم يبق إلا مطابقة النص لها ، وذلك مما يؤيدها لا مما يبطلها ، كمطابقة العلة المتعدية ، وكمطابقة سائر الأدلة المتعاضدة في المسألة الواحدة . ومنشأ الخلاف أن موضع التعبد بالتعليل هل هو لإفادة ما لم يفده النص أو بمجرد إناطة الحكم بالوصف ؟ وقال بعض الحنفية : الخلاف مبني على اشتراط التأثير في العلة عند أبي حنيفة ، وعلى الاكتفاء بالإخالة عند الشافعي . ومعنى التأثير : اعتبار الشرع جنس الوصف أو نوعه في جنس الحكم إلى آخر ما سيأتي وقال إلكيا : الخلاف راجع إلى أن علة الشرع هل تقبل التخصيص أم لا ؟ وقال الدبوسي : هو راجع إلى أن حكم العلة عندنا : تعدي حكم النص إلى الفرع ، وعند الشافعي : تعلق الحكم في النص المعلول بتلك العلة لا التعدي .

                                                      وقال إمام الحرمين : الخلاف راجع إلى كونها هل هي مأمور بها ؟ ومعنى صحتها : موافقتها للأمر ، ومعنى فسادها : عدم تعلق الأمر بها . وقال ابن المنير في شرح البرهان : لا ينبني على الخلاف فائدة فرعية ألبتة ، لأنا إن رددناها فلا إشكال في عدم إفادتها ، وإن قبلناها فلا إشكال في أنها لا يتعدى بها حكمها ، والنص في الأصل مغن عنها فرجع ثباتها إلى الفوائد العلمية لا العملية ، إلا إذا بنينا على التزام اتحاد العلل وصححنا القاصرة ، وجعلناها مقاومة للمتعدية فينبني حينئذ قبولها فائدة عملية لأنها قد تعارض متعدية بتعطل العمل بها . وقال قبل ذلك : لا يتحرر الخلاف في ردها ، لأن العلة إما الباعث أو العلامة ، فإن فسرنا بالباعث وهو الحق فلا مانع من أن ينص بالشرع على الحكم في جميع موارده حتى لا يبقي من محاله مسكوتا عنه ، وينص مع ذلك على الباعث ولا يتخيل عاقل خلاف ذلك ، وإن فسرناها بالعلامة وعليه بنى الرازي كلامه فلا مانع من أن يكون النص علامة والوصف علامة ، فيجتمع على الحكم علامتان كما يجتمع على [ ص: 206 ] الحكم نصان معا وظاهران معا ، أو نص وظاهر ، أو نص وقياس . وهذا القسم أيضا لا يختلف فيه فلا محل للخلاف .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية