مسالك العلة أي الطرق الدالة على العلة
اعلم أنه لا يكتفى في القياس بمجرد وجود الجامع في الأصل والفرع ، بل لا بد من دليل يشهد له في الاعتبار . والأدلة ثلاثة أنواع : إجماع ، ونص ، واستنباط ومنهم من أضاف إليه دليل العقل . [ وجعله ] في الملخص وجها . والمشهور طريقة السمع فقط . القاضي عبد الوهاب
[ المسلك ] الأول الإجماع على كون الوصف علة
وهو مقدم في الرتبة على الظواهر من النصوص ، لأنه لا يتطرق إليه [ ص: 235 ] احتمال النسخ . ومنهم من قدم الكلام على النص ، لشرفه .
وهو نوعان : إجماع على علة معينة ، كتعليل ولاية المال بالصغر . وإجماع على أصل التعليل وإن اختلفوا في عين العلة ، كإجماع السلف على أن الربا في الأوصاف الأربعة معلل ، واختلفوا في أن العلة ماذا ؟ . ومثال القياس فيه أن الأخ للأبوين مقدم على الأخ من الأب في الميراث ، لامتزاج النسبين ، فقياس عليه ولاية النكاح وغيرها فإنها أثرت في الإرث إجماعا ولكن في غيره لوجود العلة فيه . ومن ذلك : إجماعهم على أن الغصب هو علة ضمان الأموال ، فيقاس عليه السارق وجميع الأيدي الغاصبة ، وإجماعهم على أن البكر الصغيرة مولى عليها في النكاح ، فقاس عليها الثيب الصغيرة . أبو حنيفة
قال : وكذلك قوله : { القاضي أبو الطيب الطبري } وقال : وأجمعوا على أنه ليس لنا علة تعود على أصلها بالتعميم إلا هذا المثال ، وذلك جائز بالإجماع . وفيما قاله نظر . وقد سبق تعدي الاستنجاء بالجامد القالع من النص على الأحجار ، نظرا لمعنى الإزالة . ومثله غيره بقول لا يقضي القاضي وهو غضبان رضي الله عنه في السواد ، لو قسمته بينكم لصارت دولا بين أغنيائكم . ولم يخالفه أحد . وقول عمر رضي الله عنه ، في شارب الخمر : إذا شرب سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى فإنه يجب عليه حد المفتري . ولم يخالف وفيه نظر ، فقد منع بعض أصحابنا القياس على أصل مجمع على حكمه ، لما فيه من الافتيات على الصحابة ، إذ قد يجوز أن يكون إجماعهم لنطق خاص ، أو لمعنى لا يتعدى . ولكن الجمهور على الجواز طردا أوجب دليل العمل بالقياس إذا ظهر التساوي في المناسبة وإن لم يتجانس الحكمان من كل وجه ، ولعله شطر المسائل القياسية عندهم . علي
[ ص: 236 ] واعلم أن كون الإجماع من طرق العلة ، حكاه القاضي في مختصر التقريب عن معظم الأصوليين ، ثم قال : وهذا لا يصح عندنا ، فإن القائسين ليسوا كل الأمة ولا تقوم الحجة بقولهم ثم ردد القاضي جوابه في أثناء الكلام فقال لو جعلنا القائسين أمارة لخبر غلبة الظن في المقاييس لكان محتملا ، وإن لم نقل : إنه يفضي إلى القطع . والذي استقر عليه جوابه أنه لا أثر لإجماع القائسين إلا أن يقدر رجوع منكري القياس عن الإنكار ، ثم يجمع الكافة على علة فتثبت حينئذ قطعا . ورد إمام الحرمين في البرهان هذا بأن المحققين على أن منكري القياس ليسوا من علماء الأمة ولا حملة الشريعة ، فإن معظم الشريعة صدرت عن الاجتهاد ، والنصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة . وحكى ابن السمعاني وجها ثالثا عن بعض أصحابنا أنه لا يجوز القياس على الحكم المجمع عليه ما لم يعرف النص الذي أجمعوا لأجله وهاهنا أمور :
أحدها : أن هذا ، بل يكفي فيه الظن . الإجماع ليس من شرطه أن يكون قطعيا
ثانيها : أنه إذا كان قطعيا امتنع وروده في الطردي ، فإن كان ظنيا ورد فيه لكن يتعين تأويله .
ثالثها : أن فليس للمعترض المطالبة بتأثير تلك العلة في الأصل ولا في الفرع ، فإن تأثيرها في الفرع ثابت بالإجماع ، وأما المطالبة بتأثيرها في الفرع فلاطراد المطالبة في كل قياس ، إذ القياس هو تعدية حكم الأصل إلى الفرع بالجامع المشترك . وما من قياس إلا ويتجه عليه سؤال المطالبة بتأثير الوصف في الأصل والفرع على المعترض ، فيقال مثلا : إنا قد نثبت العلة مؤثرة في الأصل بالاتفاق ويثبت وجودها [ ص: 237 ] في الفرع فتمم لي القياس ، فإن ثبت عدم تأثيرها امتنع قياسك ، فعليك بيانه . فإن بين المعترض الفرق بين الأصل والفرع لزم المستدل جوابه وإلا انقطع . أما فتح باب المطالبة بالتأثير ابتداء فلا يمكن منه ، لما ذكرنا . المستدل إذا قاس على علة إجماعية