ويتحصل في أقسام المناسبات أن يقال : إن المؤثر - وهو ما دل النص أو الإجماع على اعتباره - مقبول بالاتفاق ، وحاصله يرجع إلى القياس ، وما دل على الغاية مردود بالاتفاق ، وما فهو موضع الخلاف وفيه ثلاثة مذاهب : لم يشهد الشرع باعتباره ولا إلغائه
أحدها : المنع منه مطلقا ، وهو الذي عليه الأكثرون ، منهم القاضي ، إذ لا تدل عليها دلالة العقول ، ولا يشهد لها أصل من الأصول ، ولأن في اعتبارها رد الشريعة إلى السياسة .
والثاني : يقبل مطلقا ، وهو المنقول عن . مالك
والثالث : تقبل ما لم يصادفها أصل من الأصول ، طردا لدليل العمل بالقياس . ونقل عن أنه عضده بأن قال : الأصول منحصرة ، والأحكام غير منحصرة ، ولما كانوا مع ذلك يسترسلون في الأحكام استرسال من لم يطلب الأصول احتفاء ، فلم يكن بد من مرد ، ولا مرد إلا إلى صحيح استدلال ، وصار هؤلاء في ضبط ما يصح به الاستدلال إلى أنه كل معنى مناسب للمحل مطرد في أحكام الشرع لا يرده أصل مقطوع به بعموم علته . ونقل الشافعي ابن الحاجب وغيره عن موافقة الشافعي ، ولم يصح عنه . والذي نقله مالك إمام الحرمين أنه لا يستجيز التأني والإفراد في البعد ، وإنما يسوغ تعليق الأحكام بمصالح يراها شبيهة بالمصالح المعتبرة ، وفاقا بالمصالح المستندة إلى أحكام ثابتة الأصول ، فإنه في الشريعة واجب . واختار إمام الحرمين نحوه . [ ص: 279 ]
والرابع : يشترط اقتران الحكم بها وصلاحيتها للاعتبار ؟ وأراد آخرون انضمام السبب إليها في اشتراط تعيينها ، إذ لا يمتنع مساوقتها لمناسب آخر ، وهذا على رأي من منع التعليل بعلتين .
والخامس : يمتنع في العبادات ، دون ما عداه .