وهو قسمان :
أحدهما : أن يدور بين النفي والإثبات وهو المنحصر .
والثاني : أن لا يكون كذلك وهو المنتشر . [ ص: 284 ]
فالأول : ، بدليله : إما بكونه طردا ، أو ملغى ، أو نقض الوصف أو كسره أو خفائه واضطرابه ، فيتعين الباقي للعلية ، وهو قطعي لإفادة العلة ، ويجوز التمسك به في القطعيات والظنيات ، فالأول كقولنا : العالم إما أن يكون قديما أو حادثا ، بطل أن يكون قديما فثبت أنه حادث . أن يحصر الأوصاف التي يمكن التعليل بها للمقيس عليه ثم اختبارها وإبطال ما لا يصلح منها
والثاني كقولنا : ولاية الإجبار إما أن لا تعلل أو تعلل بالبكارة أو الصغر أو الأبوة أو غيرها . والكل باطل سوى الثاني ، فالأول بالإجماع .
والثالث والرابع لقوله عليه السلام : { } فيتعين الثاني . قال الثيب أحق بنفسها الهندي : وحصول هذا القسم في الشرعيات عسر جدا ، أي على وجه التنقيب . ويشترط أن يكون الحكم في الأصل معللا بمناسب ، خلافا للغزالي ، ويلتحق به الطردي إذا قام الإجماع على أصل تعليله ، كما لو قام الإجماع على تعليل حكم بأحد أوصاف ثم قام الدليل على إبطالها كلها خلا واحدا ، فيتعين للتعليل وإن كان طرديا وإلا اختلف الإجماع . وهو ملخص ما اختاره إمام الحرمين . وأن يقع الاتفاق على أن العلة لا تركيب فيها ، كما في مسألة الربا ، وأما في غيرها فلا يكفي ، فإنه وإن بطل كونه علة مستقلة جاز أن يكون جزءا من أجزائها . وإذا انضم إلى غيره صار علة مستقلة ، وحينئذ فلا يكفي في إبطال سائر الأقسام الاستدلال على أنه ليس واحد منها علة مستقلة ، بل لا بد من إبطال كون المجموع علة أو جزءا من العلة ، وأن يكون حاصرا [ ص: 285 ] لجميع الأوصاف .
وطريقه أن يوافقه الخصم على انحصارها فيما ذكر أو يعجز عن إظهار زائد ، وإلا فيكفي المستدل أن يقول : بحثت عن الأوصاف فلم أجد معنى سوى ما ذكرته ، أو الأصل عدم ما سواها ، واكتفوا في حصر الأوصاف بعدم الوجدان . وهذا إذا كان أهلا للبحث ، ونازع في ذلك بعض المتأخرين ، فإن ذلك يحتاج إلى الاطلاع على جميع النصوص ، ثم إلى معرفة جميع وجوه الدلالات ، وهذا عسر جدا . وقد يكون علمه قليلا وفهمه ناقصا .
وكذلك قال الصفي الأصفهاني في نكته : من الفاسد قول المعلل في جواب طالب الحصر : بحثت وسبرت فلم أجد غير هذه الأشياء ، فإن ظفرت بعلة أخرى فأبرزها وإلا يلزمك ما يلزمني قال : وهذا فاسد ، لأن سبره لا يصلح دليلا ، لأن الدليل ما يعلم به المدلول ، ومحال أن يعلم طالب الحصر الانحصار ببحثه ونظره ، وجهله لا يوجب على خصمه أمرا ، واختار ابن برهان في الأوسط التفصيل بين المجتهد وغيره . ثم إن كان مجتهدا رجع إلى ما يغلب على ظنه ، وإن كان مناظرا ولم يساعده الخصم فهل يلزمه إبداء كيفية السبر ؟ اختلفوا فيه على قولين : أحدهما : لا ، لأنه لا يستقل درء قوله ، لاحتمال أن يكون وراءه تقسيم متوجه لم يذكره ، و ( أصحهما ) ، واختاره في المنخول ، أنه لا بد من إبداء كيفية السبر ، ليكون دليلا غير مقتصر على مجرد الدعوى ، وليس للخصم أن يقول : لم يبحث ، أو يسبر ، أو هو غريب ، ولا أن يقول : بقي وصف آخر ولا أبرزه .
تنبيه :
لم يحكوا خلافا في هذا القسم ، ورأيت في كتاب : ابن فورك ؟ وجهان ، الصحيح : نعم ، إذا ثبت أنه لا بد أن يكون الحق في واحد منها ، وثبت أن ما عداها فاسد ، فعلم أن الحق فيها أو لا يجوز خروج الحق عن جماعتها . انتهى . إذا كانت [ ص: 286 ] في المسألة علل ففسدت إلا واحدة ، هل ذلك دليل على صحتها