[ ص: 322 ] المسلك العاشر تنقيح المناط
والتنقيح : هو التهذيب والتمييز ، وكلام منقح ، أي : لا حشو فيه .
والمناط : هو العلة . قال ابن دقيق العيد : وتعبيرهم بالمناط عن العلة من باب المجاز اللغوي ، لأن الحكم لما علق بها كان كالشيء المحسوس الذي تعلق بغيره ، فهو مجاز من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ، وصار ذلك في اصطلاح الفقهاء بحيث لا يفهم عند الإطلاق غيره .
ولما كانت هذه العلة منصوصا عليها ولكنها تختلط بغيرها محتاجة إلى ما يميزها لقبوه بهذا اللقب . وهو أن يدل ظاهر على التعليل بوصف مذكور مع غيره مما لا مدخل له في التأثير لكونه طرديا أو ملغى ، فينقح حتى يميز المعتبر ، ويجتهد في تعيين السبب الذي أناط الشارع الحكم به وأضافه إليه بحذف غيره من الأوصاف عن درجة الاعتبار . وحاصله : إلحاق الفرع بالأصل بإلغاء الفرق ، بأن يقال : لا فرق بين الأصل والفرع إلا كذا وكذا ، وذلك لا مدخل له في الحكم ألبتة فيلزم اشتراكهما في الحكم لاشتراكهما في الموجب له ، كقياس الأمة على العبد في السراية ، فإنه لا فارق بينهما إلا الذكورة ، وهو ملغى بالإجماع ، إذ لا مدخل له في العلية . وسماه الحنفية ( الاستدلال ) وأجروه في الكفارات ، وفرقوا بينه وبين القياس بأن القياس ما ألحق فيه بذكر ( الجامع ) الذي لا يفيد إلا غلبة الظن . [ ص: 323 ] و ( الاستدلال ) ما يكون الإلحاق فيه بإلغاء الفارق الذي يفيد القطع ، حتى أجروه مجرى القطعيات في النسخ وجوزوا الزيادة على النص ولم يجوزوا نسخه بخبر الواحد . قال الهندي : والحق أن تنقيح المناط قياس خاص مندرج تحت مطلق القياس ، وهو عام يتناوله وغيره ، وكل منهما قد يكون ظنيا - وهو الأكثر - وقطعيا . لكن حصول القطع فيما فيه الإلحاق بإلغاء الفارق أكثر من الذي الإلحاق فيه بذكر الجامع ، لكن ليس ذلك فرقا في المعنى بل في الوقوع ، وحينئذ لا فرق بينهما في المعنى .
وقال الغزالي : تنقيح المناط يقول به أكثر منكري القياس ، ولا نعرف بين الأمة خلافا في جوازه . ونازعه العبدري بأن الخلاف فيه ثابت بين من يثبت القياس وينكره ، لرجوعه إلى القياس . وقال الإبياري : هو خارج عن القياس ، وكأنه يرجع إلى تأويل الظواهر ، ولهذا أنكر القياس في الكفارات وقال : إن الكفارة خرجت على الأصل . أبو حنيفة
وقال ابن رحال : إن كان المقصود بالتنقيح تعليل الحكم في حق شخص ، كما في حديث المجامع ، فالأمر كما قال الحنفية ، ولا يكون إثبات الحكم بطريق القياس ، لأن القياس لا يستعمل في حق الأشخاص بل تكون التعدية بقوله عليه الصلاة والسلام : { حكمي على الواحد حكمي على الجماعة } . وإن كان المقصود تعليلا في واقعة فليس كما قالوا ، بل هو من قبيل القياس ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : { } والفرق [ ص: 324 ] أن الحكم لا يتعدى من واقعة إلى واقعة بغير القياس ، ويتعدى من شخص إلى شخص بغير القياس . لا يقضي القاضي وهو غضبان