التفسير:
يتوفاكم بالليل : ينيمكم; فيتوفى، الأنفس التي يكون بها التمييز: يمنعها من التصرف، ومعنى هذا مذكور في (سورة الزمر) [42]. معنى
ويعلم ما جرحتم بالنهار ; أي: ما كسبتم، وقد تقدم القول فيه، وقيل: إن أصله: من عمل الجوارح.
ثم يبعثكم فيه ; أي: في النهار، وقال في المنام. ابن جريج:
ليقضى أجل مسمى ; أي: ليستوفي كل إنسان أجله، وإذا قدرت الهاء لـ (النهار); ففيه تقديم وتأخير، والتقدير: وهو الذي يتوفاكم بالليل، [ ص: 603 ] ثم يبعثكم بالنهار، ويعلم ما جرحتم فيه; فقدم الأهم الذي من أجله وقع البعث في النهار.
وقوله: ويرسل عليكم حفظة يعني: الملائكة التي تحفظ أعمال العباد، وتحفظهم من الآفات.
إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا : يعني أعوان ملك الموت، قاله وغيره. ابن عباس،
ويروى: أنهم يسلون الروح من الجسد، حتى إذا كان عند قبضها; قبضها ملك الموت.
وقال يقبض الكلبي: ملك الموت الروح، ثم يسلمها إلى ملائكة الرحمة إن كان مؤمنا، أو إلى ملائكة العذاب إن كان كافرا.
ومعنى لا يفرطون : لا يضيعون، عن وغيره، وأصله: من التقدم، فمعنى (فرط): قدم العجز. ابن عباس،
ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ; أي: ردتهم الملائكة التي تتوفاهم، وقيل: المعنى: ردهم الله بالبعث، ومعنى (مولاهم):سيدهم ومالكهم.
ألا له الحكم أي: يوم القيامة الذي لا يحكم فيه سواه، وقيل: هو عام; لأن كل حاكم يحكم في الدنيا إنما يحكم عن قضائه.
والقول في: أسرع الحاسبين ; كالقول في: سريع الحساب [البقرة: 202].
قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر يعني: شدائدهما، وجمع (الظلمات) [ ص: 604 ] على أنه يعني: ظلمة البحر، وظلمة الليل، وظلمة الغيم.
تدعونه تضرعا وخفية : تقدم معنى (التضرع)، وقيل: إن المعنى ههنا: تجهرون بدعائكم وتسرونه; فوبخهم الله تعالى في دعائهم إياه عند الشدائد، وهم يدعون معه غيره في العبادة.
قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم الآية:
قال مجاهد، يعني بقوله: (من فوقكم): الرجم، و وابن جبير: من تحت أرجلكم الخسف.
وقيل: (من فوقكم): الطوفان، من تحت أرجلكم : الريح.
وقيل: معنى (من فوقكم): من كباركم، و (من تحت أرجلكم): من سفالكم.
أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ; أي: يخلط أمركم; فيجعلكم مختلفي الأهواء.
ويذيق بعضكم بأس بعض : يعني: بالحرب والقتل، وقيل: إنها عامة في المسلمين والكفار، وقيل: هي في الكفار خاصة، وقال هي في أهل الصلاة، وعنه: أنه تأول ذلك فيما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. الحسن:
وكذب به قومك : (الهاء) للقرآن، عن الحسن، وقيل: هي للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: لتصريف الآيات. والسدي،
[ ص: 605 ] قل لست عليكم بوكيل : قال أي: لست بحافظ أعمالكم حتى أجازيكم عليها، وقوله في موضع آخر: الحسن: وما أنا عليكم بحفيظ [الأنعام: 104]; أي: أحفظ عليكم أعمالكم، وقيل: أحفظكم من أن تكفروا.
لكل نبإ مستقر ; أي: حقيقة يستقر عليها في الدنيا والآخرة، عن وغيره. ابن عباس
هذا وعيد من الله تعالى للكفار; لأنهم كانوا لا يقرون بالبعث. الحسن:
يجوز أن يكون وعيدا بما ينزل بهم في الدنيا. الزجاج:
استقر يوم السدي: بدر ما كان يعدهم به من العذاب.
وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض الآية:
أصله: من الخوض في الماء; فاستعمل في الدخول في الأمر، واللبس فيه.
مجاهد وغيرهما: معنى (يخوضون): يكذبون. والحسن
وقوله: وإما ينسينك الشيطان ; أي: إن أنساك الشيطان نهينا إياك عن القعود معهم; فلا تقعد معهم بعد أن تذكره.
وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ; أي: ما عليهم من حساب [ ص: 606 ] الذين يخوضون في آياتنا من شيء إذا اتبعوا ما أمروا به، ولم يجلسوا معهم.
ولكن ذكرى ; أي: ذكروهم بدعائكم إياهم إلى الإيمان; لعلهم يتقون .
وقوله: وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا : قد تقدم.
وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت : قال وغيره: معنى مجاهد، تبسل : تسلم، وهو المعروف في اللغة.
تفضح، ابن عباس: تحبس، قتادة: ترتهن، الفراء: الكسائي، تجزى، وقيل: إن أصله: الارتهان، فمن أسلم; فهو كالمرتهن، وقيل: أصله: التحريم، من قولهم: (هذا بسل عليك); أي: حرام; فكأن (أبسلوا): حرموا الرحمة، وحرمت عليهم الجنة. والأخفش:
لهم شراب من حميم : (الحميم): الماء الحار الذي قد انتهى حره.
قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا يعني: الأوثان.
ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله : تمثيل للكفر، وأصله: من العاقبة والعقبى; وهو ما كان تاليا للشيء، وقد تقدم.
كالذي استهوته الشياطين ; أي: زينت له هواه، ودعته إليه، و (الحيران): [ ص: 607 ] الذي يتردد في الأمر، فلا يهتدي إلى المخرج منه.
له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا ; أي: يقولون له: تابعنا على الهدى، قال هذا مثل للرجل يطيع الشيطان، ويحيد عن الحق، وله أصحاب يدعونه إلى غير الحق، ويزعمون أنه الهدى; فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وقال: ابن عباس:
قل إن هدى الله هو الهدى .
ويروى: أنها نزلت في رضي الله عنه، كان عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق أبو بكر وزوجه يدعوانه إلى الإسلام، فيأبى.
وأمرنا لنسلم لرب العالمين وأن أقيموا الصلاة ; أي: أمرنا كي نسلم، وبأن أقيموا الصلاة; لأن حروف الإضافة يعطف بعضها على بعض.
المعنى: أمرنا بأن نسلم; لأن العرب تقول: (أمرتك لتذهب)، و (أن تذهب) بمعنى. الفراء:
وهو الذي خلق السماوات والأرض بالحق ; أي: بكلمة الحق; يعني: قوله: (كن).
ويوم يقول كن فيكون ; أي: واذكر يوم يقول: (كن)، [أو: واتقوا [ ص: 608 ] يوم يقول: (كن).
وقيل: المعنى: وقدر يوم يقول: (كن).
وقيل: هو معطوف على (خلق السماوات والأرض)، فأخبر أنه كائن، فهو بمنزلة ما قد كان.
وقيل: المعنى: ويوم يقول: (كن) فيكون الصور، وقيل: فيكون ما أراد من موت الخلائق وبعثهم.
و(الصور): قرن ينفخ فيه النفحة الأولى للفناء، والثانية للإنشاء، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(الصور): جمع (صورة); كسورة البناء، وسور. أبو عبيدة: