الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3249 [ ص: 425 ] باب الحكم في اللقطة

                                                                                                                              وذكره النووي في (كتاب اللقطة ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 25 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن يزيد (مولى المنبعث ) ، أنه سمع زيد بن خالد الجهني (صاحب رسول الله ) يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؛ الذهب أو الورق؟ فقال : "اعرف وكاءها وعفاصها، ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها . ولتكن وديعة عندك. فإن جاء طالبها يوما من الدهر، فأدها إليه".

                                                                                                                              وسأله عن ضالة الإبل؟ فقال: "ما لك ولها؟ دعها فإن معها حذاءها وسقاءها. ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها".

                                                                                                                              وسأله عن الشاة فقال: "خذها، فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب" ]


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن زيد بن خالد الجهني ) "صاحب رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم " يقول : سئل رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم عن اللقطة. الذهب والورق ؟ ، فقال : اعرف وكاءها ) بكسر الواو [ ص: 426 ] والمد : هو الخيط الذي يشد به الوعاء. يقال : أوكيته إيكاء ، فهو موكى. بلا همز.

                                                                                                                              قال في النيل : ومن قال : " الوكا " بالقصر. فهو وهم.

                                                                                                                              (وعفاصها ) بكسر العين ، وبالفاء والصاد المهملة. وهو : "الوعاء الذي تكون فيه النفقة " جلدا كان ، أو غيره. مأخوذ من " العفص " ، وهو الثني. لأن الوعاء يثنى على ما فيه.

                                                                                                                              قال النووي : ويطلق على " الجلد " الذي يكون على رأس القارورة ، لأنه كالوعاء له. فأما الذي يدخل في فم القارورة ، من خشب أو جلد ، أو خرقة مجموعة ، ونحو ذلك : فهو "الصمام ) بكسر الصاد. يقال : " عفصتها عفصة " : إذا شددت العفاص عليها. " وأعفصتها إعفاصا " : إذا جعلت لها عفاصا. انتهى .

                                                                                                                              زاد في النيل : فحيث يذكر " العفاص " مع الوعاء ، فالمراد : الثاني. وحيث يذكر مع الوكاء ، فالمراد به : الأول. كذا في الفتح ، وفي زوائد المسند : " وخرقتها " بدل " عفاصها ".

                                                                                                                              (ثم عرفها سنة ) بتشديد الراء وكسرها. معناه : إذا أخذتها ، فعرفها سنة. أي: اذكرها للناس.

                                                                                                                              فأما الأخذ ، هل هو واجب أم مستحب ؟ فيه مذاهب ؛ [ ص: 427 ] أصحها عند الشافعية : يستحب.

                                                                                                                              وقد أجمع المسلمون ، على وجوب التعريف سنة ، إذا لم تكن تافهة ، ولا في معناها.

                                                                                                                              وأما الشيء الحقير ، فيجب تعريفه زمنا ، يظن أن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان.

                                                                                                                              والتعريف : أن ينشدها في الموضع الذي وجدها فيه ، وفي الأسواق ، وأبواب المساجد ، ومواضع اجتماع الناس ، والمحافل. فيقول : من ضاع منه شيء ، أو حيوان ، أو دراهم ، ونحو ذلك. ويكرر بحسب العادة ؛ فيعرفها أولا في كل يوم ، ثم في الأسبوع ، ثم في أكثر منه. قاله النووي.

                                                                                                                              وقال في الفتح : من ضاعت له نفقة ، ونحو ذلك من العبارات. ولا يذكر شيئا من الصفات.

                                                                                                                              قال في النيل : ولا يشترط أن يعرفها بنفسه. بل يجوز له : توكيل غيره.

                                                                                                                              وظاهره : أنه لا يجب التعريف بعد السنة. وبه قال الجمهور. وادعى في البحر الإجماع على ذلك.

                                                                                                                              (فإن لم تعرف فاستنفقها. ولتكن وديعة عندك ) .

                                                                                                                              والمراد بكونها وديعة : أنه يجب ردها بعد الاستنفاق.

                                                                                                                              [ ص: 428 ] ويستفاد من تسميتها وديعة : أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها. قال في الفتح : وهو اختيار البخاري ، تبعا لجماعة من السلف.

                                                                                                                              (فإن جاء طالبها يوما من الدهر ، فأدها إليه ) أي : ادفعها إليه. وإلا فيجوز لك أن تتملكها.

                                                                                                                              (وسأله عن ضالة الإبل ؟ فقال : ما لك ولها ؟ ) . وفي رواية : " فغضب حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه. وفي أخرى : " فاحمار وجهه وجبينه ، وغضب".

                                                                                                                              (دعها فإن معها حذاءها ) بكسر المهملة ، بعدها ذال مع المد. أي : خفها. لأنها تقوى بها على السير وقطع المفاوز.

                                                                                                                              (وسقاءها ) أي : جوفها. وقيل : عنقها.

                                                                                                                              فيه : إشارة إلى استغنائها عن الحفظ لها ، بما ركب في طباعها ، من الجلادة على العطش ، وتناول المأكول بغير تعب ، لطول عنقها. فلا تحتاج إلى ملتقط.

                                                                                                                              قال النووي : معناه : أنها تقوى على ورود المياه ، وتشرب في اليوم الواحد وتملأ كرشها ، بحيث يكفيها الأيام.

                                                                                                                              (ترد الماء ، وتأكل الشجر ، حتى يجدها ربها ) .

                                                                                                                              [ ص: 429 ] فيه : جواز قول : "رب المال ، ورب المتاع ، ورب الماشية "، بمعنى : "صاحبها الآدمي " قال النووي : وهذا هو الصحيح ، الذي عليه جماهير العلماء. ومنهم : من كره إضافته إلى ما له روح ، دون المال والدار ونحوه. وهذا غلط ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : " فإن جاء ربها ، فأدها إليه " ، وحتى يلقاها ربها. وحتى يجدها ربها. وفي حديث عمر "رب الصريمة والغنيمة ". ونظائر ذلك كثيرة.

                                                                                                                              (وسأله عن الشاة ؟ فقال : خذها. فإنما هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب ) .

                                                                                                                              معناه : الإذن في أخذها ، بخلاف الإبل. كأنه قال : هي ضعيفة لعدم الاستقلال ، معرضة للهلاك ، مترددة بين أن تأخذها أنت ، أو أخوك.

                                                                                                                              والمراد بالذئب : جنس ما يأكل الشاة ، من السباع.

                                                                                                                              قال النووي : ثم إذا أخذها ، وعرفها سنة ، وأكلها. ثم جاء صاحبها : لزمته غرامتها ، عندنا وعند أبي حنيفة. وقال مالك : لا تلزم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر له غرامة.

                                                                                                                              وأجيب : بأنه لم يذكر الغرامة ولا نفاها. وقد عرف وجوبها بدليل آخر.




                                                                                                                              الخدمات العلمية