الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              2928 [ ص: 130 ] باب بيع فضل الماء والكلأ

                                                                                                                              وذكره النووي في: (الباب المتقدم ) .

                                                                                                                              قال أهل اللغة: "الكلأ" مهموز مقصور: هو النبات، سواء كان رطبا أو يابسا. وأما الحشيش والهشيم، فهو مختص باليابس. وأما "الخلا"، فمقصور غير مهموز. "والعشب": مختص بالرطب. ويقال له أيضا: "الرطب" بضم الراء وإسكان الطاء.

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص230 ج10 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [ (عن ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، وأبو سلمة: أن أبا هريرة ) رضي الله عنه، (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا تمنعوا فضل الماء، لتمنعوا به الكلأ" ) .]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              قال النووي: معناه: أن تكون لإنسان بئر مملوكة له بالفلاة، وفيها ماء فاضل عن حاجته، ويكون هناك كلأ ليس عنده ماء إلا هذه، فلا يمكن أصحاب المواشي رعيه، إلا إذا حصل لهم السقي من هذه البئر، فيحرم عليه: منع فضل هذا الماء للماشية، ويجب بذله لها [ ص: 131 ] بلا عوض، لأنه إذا منع بذله: امتنع الناس من رعي ذلك الكلأ، خوفا على مواشيهم من العطش. ويكون منعه الماء: مانعا من رعي الكلأ.

                                                                                                                              وأما الرواية الأولى: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء" فهي محمولة على هذه الثانية، التي فيها: "ليمنع به الكلأ". ويحتمل: أنها في غيره، ويكون نهي تنزيه. انتهى.

                                                                                                                              وأقول: دلالة الحديث "على المنع من بيع الماء على العموم": واضحة. ويؤيده حديث: "الناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار". وقد خصص من هذا العموم: ما كان منه محرزا في الآنية، فإنه يجوز بيعه، قياسا على جواز بيع الحطب، إذا أحرزه الحاطب.

                                                                                                                              وهذا القياس "بعد تسليم صحته": إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس. والخلاف في ذلك معروف في الأصول. وأما الإشكال: بشراء نصف بئر رومة من اليهودي، وكان يبيع ماءها:

                                                                                                                              [ ص: 132 ] فيجاب عنه: أن هذا كان في صدر الإسلام، ثم شرع تحريمه، فلا يعارضه ذلك التقرير. وأيضا: الماء هنا، دخل تبعا لبيع البئر. ولا نزاع في جواز ذلك. والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية