الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3197 [ ص: 379 ] باب النهي عن الشفاعة في الحدود

                                                                                                                              وقال النووي : ( باب قطع السارق الشريف وغيره ، والنهي عن الشفاعة في الحدود ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 187 ج11 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن عائشة " زوج النبي صلى الله عليه وسلم " ، أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلمه فيها أسامة بن زيد ، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال: "أتشفع في حد من حدود الله؟" فقال له أسامة : استغفر لي يا رسول الله ! فلما كان العشي، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد! فإنما أهلك الذين من قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وإني والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها" ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها ".

                                                                                                                              قالت عائشة : فحسنت توبتها بعد. وتزوجت. وكانت تأتيني بعد ذلك ، فأرفع حاجتها إلى رسول الله.] [ ص: 380 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن عائشة رضي الله عنها (زوج النبي صلى الله عليه وآله (وسلم ؛ أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت ) .

                                                                                                                              وفي رواية متفق عليها : " أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت" .

                                                                                                                              وفي أخرى : " كانت امرأة مخزومية ، تستعير المتاع وتجحده. فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها " الحديث.

                                                                                                                              (في عهد رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ، في غزوة الفتح ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه ، إلا أسامة بن زيد ، حب رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم ) بكسر الحاء. أي : " محبوبه. ومعنى "يجترئ" : يتجاسر عليه ، بطريق الإدلال. وفي هذا : منقبة ظاهرة ، لأسامة " رضي الله عنه".

                                                                                                                              فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكلم ، فيها [ ص: 381 ] أسامة بن زيد ، فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وآله (وسلم. فقال : " أتشفع في حد من حدود الله ؟ " ) .

                                                                                                                              وفي رواية : "لا أراك تشفع إلخ " (فقال له أسامة : استغفر لي. يا رسول الله ! فلما كان العشي ، قام رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم فاختطب ، فأثنى على الله تعالى بما هو أهله. ثم قال : " أما بعد ! فإنما أهلك الذين من قبلكم : أنهم كانوا ، إذا سرق فيهم الشريف ، تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيف ، أقاموا عليه الحد" ) .

                                                                                                                              فيه : أن ذلك ، هو سبب هلاك بني إسرائيل.

                                                                                                                              قال النووي : وقد أجمع العلماء : على تحريم الشفاعة في الحد، بعد بلوغه إلى الإمام. لهذه الأحاديث. وعلى أنه يحرم التشفيع فيه.

                                                                                                                              قال : فأما قبل بلوغه إلى الإمام ، فقد أجاز الشفاعة فيه : أكثر العلماء. إذا لم يكن المشفوع فيه : صاحب شر ، وأذى للناس. فإن كان ، لم يشفع فيه. انتهى.

                                                                                                                              وليس في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : " تعافوا الحدود فيما بينكم. ما بلغني من حد ، فقد وجب ". رواه النسائي عن ابن عمر : ما يخالف ذلك. لأن العفو غير الشفاعة. والكلام فيها ، لا فيه.

                                                                                                                              لكن قال في النيل : فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود. وهو مقيد بما إذا كان قد وقع الرفع إلى الإمام ، لا قبل ذلك ، فإنه جائز.

                                                                                                                              [ ص: 382 ] وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث ، من مرسل حبيب بن أبي ثابت : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأسامة (لما شفع ) : لا تشفع في حد ، فإن الحدود إذا انتهت إلي ، فليست بمتروكة.

                                                                                                                              قال : وقد قدمنا في باب النهي عن الشفاعة في الحدود : ما فيه أكمل دلالة ، على الفرق بين الشفاعة في الحد قبل الرفع وبعده. انتهى. ولفظه هناك : ولكنه ينبغي : أن يقيد المنع من الشفاعة ، بما إذا كان بعد الرفع إلى الإمام ، لا إذا كان قبل ذلك. لحديث صفوان بن أمية : "لما شفع ، قال : هلا كان قبل أن تأتيني به ؟ " وحديث زبير : " أنه لقي سارقا ، فشفع فيه. فقيل له : حتى يبلغ الإمام. فقال : إذا بلغ الإمام ، فلعن الله الشافع والمشفع".

                                                                                                                              وأخرج الدارقطني ، من حديث الزبير مرفوعا : " اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي. فإذا وصل إلى الوالي فعفا ، فلا عفا الله عنه ". والموقوف أصح. انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وأما المعاصي التي لا حد فيها ، وواجبها التعزير : فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها ، سواء بلغت الإمام أم لا. لأنها أهون.

                                                                                                                              قال : ثم الشفاعة فيها مستحبة ، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 383 ] قلت : ويؤيده حديث عائشة ترفعه : " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ".

                                                                                                                              (وإني ، والذي نفسي بيده ! لو أن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم (سرقت (. وقد صانها الله عن هذه الوصمة " رضي الله عنها. (لقطعت يدها ) .

                                                                                                                              وفي رواية : " والله ! لو كانت فاطمة ، لقطعت يدها ". وفيه : دليل لجواز الحلف ، من غير استحلاف.

                                                                                                                              قال النووي : وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب ، كما في الحديث.

                                                                                                                              وقد كثرت نظائره فيه. وسبق اختلاف العلماء في الحلف : " باسم الله ". انتهى. يعني : في "كتاب الأيمان".

                                                                                                                              (ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت ، فقطعت يدها ) .

                                                                                                                              قال أهل العلم : المراد : أنها قطعت "بالسرقة ". وإنما ذكر : جحد العارية ، في الرواية الأخرى عن عائشة : " كانت تستعير المتاع ، وتجحده " : تعريفا لها ، ووصفا. لا أنها سبب القطع.

                                                                                                                              قال النووي : وقد ذكر مسلم هذا الحديث ، في سائر الطرق المصرحة بأنها : " سرقت ، وقطعت بسبب السرقة " : فيتعين حمل هذه الرواية على [ ص: 384 ] ذلك، جمعا بين الروايات ، فإنها قضية واحدة. مع أن جماعة من الأئمة ، قالوا : هذه الرواية شاذة ، فإنها مخالفة لجماهير الرواة. والشاذة لا يعمل بها .

                                                                                                                              قال جماهير العلماء ، وفقهاء الأمصار : لا قطع على من جحد العارية. وقال أحمد ، وإسحاق : يجب القطع في ذلك. انتهى.

                                                                                                                              قلت : ومذهب أحمد ، هو أحمد مذهب في هذا الباب. فالحق : قطع جاحد الوديعة : ويكون ذلك مخصصا للأدلة ، الدالة على اعتبار الحرز.

                                                                                                                              قال في النيل : ووجهه : أن الحاجة ماسة بين الناس ، إلى العارية. فلو علم المعير : أن المستعير إذا جحد لا شيء عليه ، لجر ذلك إلى سد باب العارية. وهو خلاف المشروع. انتهى.

                                                                                                                              (قالت عائشة : فحسنت توبتها بعد ، وتزوجت. وكانت تأتيني بعد ذلك ، فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) .

                                                                                                                              فيه : دليل على حصول الطهارة من التوبة ، بعد جريان الحد. وأنه لا ينبغي : الاستنكاف عن المحدود ، في حد من حدود الشرع. والله أعلم بالصواب.




                                                                                                                              الخدمات العلمية