الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3256 باب الأمر بالضيافة

                                                                                                                              وهو في النووي في (الباب المتقدم ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 31 ج 12 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن أبي شريح الخزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الضيافة ثلاثة أيام. وجائزته يوم وليلة . ولا يحل لرجل مسلم: أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه" . قالوا: يا رسول الله! وكيف يؤثمه؟ قال: "يقيم عنده، ولا شيء له يقريه به" .] [ ص: 438 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 438 ] (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي شريح الخزاعي (رضي الله عنه ، وفي رواية ؛ " العدوي ". قال النووي : هو واحد. ويقال له : " الكعبي " .

                                                                                                                              (قال : قال رسول الله صلى الله عليه ) وآله (وسلم : الضيافة ثلاثة أيام. وجائزته يوم وليلة ) .

                                                                                                                              هذا الحديث : متظاهر على الأمر بالضيافة ، والاهتمام بها ، وعظيم موقعها.

                                                                                                                              قال النووي : وقد أجمع المسلمون على الضيافة ، وأنها من متأكدات الإسلام.

                                                                                                                              قال ابن رسلان : الضيافة من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الدين. وليست واجبة عند عامة العلماء.

                                                                                                                              قال النووي : قال الشافعي ، ومالك ، وأبو حنيفة ، والجمهور : "هي سنة ". وقال الليث ، وأحمد : هي واجبة "يوم وليلة " على أهل البادية ، وأهل القرى. دون أهل المدن. وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها : على الاستحباب ، وتأكد حق الضيف. وتأولها الخطابي : على المضطر. انتهى.

                                                                                                                              [ ص: 439 ] وأقول : الحق وجوب الضيافة لأمور ؛ الأول : إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك. وهذا لا يكون في غير واجب.

                                                                                                                              والثاني : التأكيد البالغ ، بجعل ذلك فرع الإيمان. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث آخر : "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليكرم ضيفه جائزته " الحديث. وهذا يفيد : أن فعل خلافه ، فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. ومعلوم : أن فروع الإيمان مأمور بها. ثم تعليق ذلك بالإكرام " وهو أخص من الضيافة " : دال على لزومها بالأولى.

                                                                                                                              والثالث : قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث آخر : " فما كان وراء ذلك ، فهو صدقة " فإنه صريح : أن ما قبل ذلك ، غير صدقة. بل واجب شرعا. قال ابن الأثير : " الجائزة " العطية. أي : يقري ضيفه ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة.

                                                                                                                              والرابع : قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليلة الضيف حق واجب". فهذا تصريح بالوجوب. ولم يأت ما يدل على تأويله.

                                                                                                                              والخامس : قوله صلى الله عليه وآله وسلم ، في حديث آخر : "فإن نصره حق على كل مسلم " فإن ظاهر هذا : وجوب النصرة. وذلك فرع وجوب الضيافة.

                                                                                                                              ( [ ص: 440 ] وإذا تقرر هذا : تقرر ضعف ما ذهب إليه الجمهور ، وكانت أحاديث الضيافة : مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس ، ولحديث ليس في المال حق ، سوى الزكاة.

                                                                                                                              قال في النيل : ومن التعسفات : حمل أحاديث الضيافة على سد الرمق. فإن هذا مما لم يقم عليه دليل ، ولا دعت إليه الحاجة. وكذلك : تخصيص الوجوب بأهل الوبر ، دون أهل المدن ، استدلالا بما يروى : أن الضيافة على أهل الوبر. قال النووي وغيره من الحفاظ : إنه حديث موضوع ، لا أصل له.

                                                                                                                              (ولا يحل لرجل مسلم : أن يقيم عند أخيه ) أي : بعد الثلاث (حتى يؤثمه ) . أي : يوقعه في الإثم. لأنه قد يغتابه لطول مقامه ، أو يعرض له بما يؤذيه ، أو يظن به ما لا يجوز. وقد قال تعالى : اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم .

                                                                                                                              قال النووي : وهذا كله ، محمول على ما إذا أقام بعد الثلاث ، من غير استدعاء من المضيف. أما إذا استدعاه ، وطلب زيادة إقامته ، أو علم أو ظن : أنه لا يكره إقامته : فلا بأس بالزيادة. لأن النهي إنما كان لكونه يؤثمه ، وقد زال هذا المعنى والحالة هذه.

                                                                                                                              [ ص: 441 ] فلو شك في حال المضيف ، " هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا ؟ " : لم تحل الزيادة إلا بإذنه ، لظاهر الحديث. والله أعلم.

                                                                                                                              (قالوا يا رسول الله ! وكيف يؤثمه ؟ قال : يقيم عنده ، ولا شيء له يقريه به ) وفي رواية متفق عليها : " ولا يحل له : أن يثوي عنده ، حتى يحرجه ". ومعنى " يثوي ": يقيم.

                                                                                                                              " ويحرجه " بضم أوله وسكون الحاء : أي يوقعه في " الحرج" وهو الإثم. لأنه قد يكدره فيقول : هذا الضيف ثقيل. أو قد ثقل علينا. أو نحو ذلك.




                                                                                                                              الخدمات العلمية