سورة التوبة
مدنية وآيها مئة وتسع وعشرون آية، وحروفها عشرة آلاف وثمان مئة وسبعة وثمانون حرفا، وكلمها ألفان وأربع مئة وسبع وتسعون كلمة.
قال قلت سعيد بن جبير: رضي الله عنها: "سورة التوبة؟ فقال: تلك الفاضحة، ما زالت تنزل: ومنهم، ومنهم، حتى خشينا ألا تدع أحدا". لابن عباس
وعن رضي الله عنه قال: "إنكم تسمون هذه السورة سورة التوبة، وإنها سورة العذاب، والله ما تركت أحدا إلا نالت منه". حذيفة
أهل المدينة يسمونها: التوبة، وأهل مكة يسمونها: الفاضحة، وسميت التوبة؛ لأن فيها التوبة على المؤمنين، والفاضحة؛ لأنها تفضح المنافقين، ومن أسمائها: المخزية؛ لأنها تخزيهم، والمقشقشة؛ لأنها تقشقشمن النفاق؛ أي: تبرئ منه، والمبعثرة، لأنها تبعثر أسرار المنافقين، [ ص: 146 ] والمشردة، لأنها تشرد بهم، والمثيرة؛ لأنها تبحث عن حال المنافقين وتثيرها، والحافرة؛ لأنها حفرت على قلوبهم، والمنكلة؛ لأنها تنكل بهم، والمدمدمة؛ لأنها تدمدم عليهم، وسورة العذاب؛ لتضمنها معناه.
واختلف في فقيل: كان من شأن العرب في زمن الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد، فإذا أرادوا نقضه، كتبوا إليهم كتابا لم يكتبوا فيه البسملة، فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشركين، بعث بها النبي سقوط البسملة من أولها، رضي الله عنه، فقرأها عليهم في الموسم، ولم يتسهل في ذلك على ما جرت عادتهم في نقض العهد من ترك البسملة. علي بن أبي طالب
وقال ابن عباس رضي الله عنه: لعثمان رضي الله عنه: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزل عليه الشيء، يدعو بعض من يكتب عنده، فيقول: "ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا"، عثمان وكانت الأنفال مما نزل بالمدينة، وبراءة من آخر ما نزل، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، وقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبين لنا أنها منها، فظننت أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم. [ ص: 147 ] ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال، وهي من المثاني، وإلى براءة، وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال
وكانتا تدعيان: القرينين، قال ابن العربي: هذا دليل على أن ألا ترى إلى القياس أصل في الدين، وأعيان الصحابة رضي الله عنهم كيف نحوا إلى قياس الشبه عند عدم النص ورأوا أن قصة براءة شبيهة بقصة الأنفال، فألحقوها بها؟ فإذا كان الله قد بين القياس في تأليف القرآن، فما ظنك بسائر الأحكام؟ عثمان
وقيل: سورة الأنفال وبراءة سورة واحدة، كلتاهما نزلت في القتال، تعدان السابعة من الطوال، وهي سبع، وما بعدها المئون؛ لأنهما معا مئتان وأربع آيات، فهما بمنزلة إحدى الطوال. وقد اختلف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كتبوا المصحف في خلافة عثمان، فقال بعضهم: الأنفال وبراءة سورة واحدة، وقال بعضهم: هما سورتان، فتركت بينهما فرجة لقول من قال: هما سورتان، وتركت بسم الله لقول من قال هما سورة واحدة، فرضي الفريقان معا.
وسئل رضي الله عنه عن تركه البسملة في براءة، فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم أمان، وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان". علي
قال القرطبي: والصحيح أن التسمية لم تكتب لأن جبريل -عليه السلام- ما نزل بها في هذه السورة. وتقدم ذكر اختلاف العلماء والقراء مستوفى [ ص: 148 ] في بين كل سورتين سوى براءة عند الكلام في البسملة أول التفسير، وملخصه: أن مذهب حكم البسملة رضي الله عنه أن الشافعي ومن كل سورة سوى براءة، ومذهب البسملة آية من الفاتحة أحمد أنها آية مستقلة بين كل سورتين سوى براءة، فيكره ابتداؤها بها، ومذهب مالك أنها ليست بآية من الفاتحة، ولا من غيرها، وإنما كتبت للتيمن والتبرك بها مع إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل، وأن بعضها آية من الفاتحة. وأبي حنيفة
وأما مذاهب القراء فيها، فقد أجمعوا على حذفها بين الأنفال وبراءة، وكذلك في الابتداء ببراءة، وأما الابتداء بالآي وسط براءة، ففيه خلاف، ويجوز بين الأنفال وبراءة كل من الوصل والسكت والوقف لجميع القراء إذا لم يقطع على آخر الأنفال، فالقطع: هو قطع القراءة رأسا، فهو كالانتهاء، والوقف: هو قطع الصوت على الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة، والسكت: هو قطع الصوت زمنا دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، والله أعلم.
* * *