الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن قلت لم : سويت بين الفقه والطب إذ الطب أيضا يتعلق بالدنيا ، وهو صحة الجسد وذلك يتعلق به أيضا صلاح الدين وهذه التسوية تخالف إجماع المسلمين فاعلم أن التسوية غير لازمة بل بينهما فرق وأن الفقه أشرف منه من ثلاثة أوجه .

أحدها : أنه علم شرعي إذ هو : مستفاد من النبوة بخلاف الطب فإنه ليس من علم الشرع .

والثاني : أنه لا يستغني عنه أحد من سالكي طريق الآخرة ألبتة لا الصحيح ولا المريض .

، وأما الطب فلا يحتاج إليه إلا المرضى وهم الأقلون .

والثالث : أن علم الفقه مجاور لعلم طريق الآخرة لأنه نظر في أعمال الجوارح ومصدر أعمال الجوارح ومنشؤها صفات القلوب فالمحمود ، من الأعمال يصدر عن الأخلاق المحمودة المنجية في الآخرة ، والمذموم يصدر من المذموم وليس يخفى اتصال الجوارح بالقلب .

وأما الصحة والمرض فمنشؤهما صفاء في المزاج والأخلاط وذلك من أوصاف البدن لا من أوصاف القلب فمهما أضيف الفقه إلى الطب ظهر شرفه وإذا أضيف علم طريق الآخرة إلى الفقه ظهر أيضا شرف علم طريق الآخرة .

التالي السابق


(فإن قلت: قد سويت بين الفقه والطب إذ الطب أيضا يتعلق بالدنيا ومصالحها، وهو صحة الجسد) التي فيها قوام المعاش (وذلك يتعلق به أيضا صلاح الدين) من جهة القيام بالأوامر والنواهي (وهذه التسوية) بينهما في المنزلة (تخالف إجماع المسلمين) أي لما جعلت الفقه به نظام مصالح الدنيا المنوط به نظام مصالح الدين فهو في الدرجة الثانية من علوم الآخرة، وعلم الطب أيضا كذلك لأن موضوعه بدن الإنسان، والبحث عن كيفية صحة المزاج وفساده فهو أيضا منوط به نظام مصالح الدنيا فيكون من علوم الآخرة بالمرتبة الثانية، ولزم بذلك التسوية بينهما، وهو خلاف ما عليه الناس من شرف علم الفقه وعلو منزلته، فإذا ساواه علم الطب في منزلته لزم أن يكون مثله وليس كذلك (فاعلم أن التسوية غير لازمة) أي: إذا وجد التسوية بينهما من هذا الوجه فغير لازم أن يساويه في سائر المراتب (بل بينهما فرق) لوجوه أخر وأشار لذلك بقوله (والفقه أشرف منه من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه علم شرعي) مستنده الكتاب والسنة وآثار الصحابة والإجماع، وهذا معنى قوله (أي: مستفاد من النبوة بخلاف علم الطب فإنه ليس هو من علم الشرع) بل مداره على التجارب وهي تختلف (والثاني: أنه لا يستغني عنه أحد) في سائر الأحوال (من سالكي طريق الآخرة ألبتة لا الصحيح، والمريض، وأما الطب فلا يحتاج إليه إلا المرضى) خاصة (وهم الأقلون) أي بالنسبة إلى الأصحاء ولا حكم للأقل (والثالث: أن علم الفقه مجاور لعلم طريق الآخرة) باعتبارات كثيرة (لأنه نظر أعمال الجوارح ومصدر الأعمال ومنشؤها صفات القلوب، والمحمود من الأعمال يصدر من الأخلاق المنجية) أي: المخلصة (في الآخرة، والمذموم يصدر من المذموم وليس يخفى اتصال الجوارح بالقلب) بهذا الاعتبار (وأما الصحة والمرض فمنشؤهما صفات في المزاج) وهي كيفية مشابهة من تفاعل عناصر متفقة الأجزاء المماسة بحيث يكسر سورة كل منها سورة الآخر (والأخلاط) جمع خلط وهي الطبائع الأربعة التي عليها بنية الإنسان (وذلك من أوصاف البدن لا من أوصاف القلب فمهما أضيف) أي: نسب (الفقه إلى الطب ظهر شرفه) ومزيته (وإذا أضيف علم طريق الآخرة إلى الفقه ظهر أيضا شرف علم الآخرة) وهو فرق ظاهر .




الخدمات العلمية