الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ويشهد لحسن الاحتراز من تقلد الفتاوي ما روي مسندا عن بعضهم أنه قال لا يفتي الناس إلا ثلاثة : أمير أو مأمور أو متكلف .

وقال بعضهم كان الصحابة يتدافعون أربعة أشياء الإمامة والوصية والوديعة والفتيا .

وقال بعضهم : كان أسرعهم إلى الفتيا أقلهم علما ، وأشدهم دفعا لها أورعهم .

وكان شغل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم في خمسة أشياء : قراءة القرآن وعمارة المساجد وذكر الله تعالى والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر وذلك لما سمعوه من قوله صلى الله عليه وسلم : كل كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا ثلاثة : أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى وقال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس الآية .

التالي السابق


( ويشهد لحسن الاحتراز من تقليد الفتوى) والاجتناب من الإقدام عليه ( ما روي مسندا) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه قال) وعبارة القوت: وروي عن ابن مسعود، وابن عمر وغيرهما من التابعين، وقد روينا مسندا: ( لا يفتي الناس إلا ثلاثة: أمير أو مأمور أو متكلف) تفصيل ذلك: أن الأمير هو الذي يتكلم في علم الفتيا والأحكام، كذلك كان الأمراء يسئلون ويفتون، والمأمور الذي يأمره الأمير بذلك، فيقيمه مقامه فيستعين به لشغله بالرغبة، والمتكلف هو القاص الذي يتكلم في القصص السالفة، وبعض أخبار من مضى; لأن ذلك لا يحتاج إليه في الحال، ولم يندب إليه المتكلم، وقد يدخله الزيادة والنقصان، والاختلاف فلذلك كره القصص، فصار القاص من المكلفين، وقد جاء في لفظ الحديث الآخر بتأويل معناه: لا يتكلم على الناس إلا ثلاثة: أمير أو مأمور أو مراء، هذا كله كلام صاحب القوت .

وقال بعض العلماء: ( كان الصحابة) والتابعون بإحسان ( يتدافعون أربعة أشياء) ، أي يدافعون أنفسهم عن ارتكابها: ( الإمامة) وهو التقدم على المصلين، ( والوديعة) ، من المال وغيره، ( والوصية) عن الأموات، ( والفتوى) ، هكذا هو نص القوت .

( وقال بعضهم: كان أسرعهم إلى الفتيا أقلهم علما، وأشدهم دفعا) لها، وتوقفا عنها، ( أورعهم) هكذا نص القوت .

وأخرج الدارمي في مسنده من طريق عبيد الله بن أبي جعفر المصري مرسلا: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.

قال المناوي: أي أقدمكم على دخولها; لأن المفتي يبين عن الله حكمه، فإذا أفتى على جهل، أو بغير ما علمه، أو تهاون في تحريره أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه في النار; لجراءته على المجازفة في أحكام الجبار، وقال ابن المنكدر: والمفتي يدخل بين الله وبين عباده فلينظر كيف يفعل، فعليه التوقف، والتحرز; لعظم الخطر .

وقال الحكماء من العلم: أن لا تتكلم فيما لا تعلم بكلام من لا يعلم، فحسبك خجلا من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم، ( كان شغل الصحابة والتابعين) لهم بإحسان ( في خمسة أشياء: قراءة القرآن) دراسة وتعليما، ( وعمارة المساجد) بالصلوات في الجماعات، ( وذكر الله تعالى) سرا وجهرا في كل أحيان، ( والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) شرعا، نقله صاحب القوت عن بعض السلف .

قلت: أخرج اللكائي في كتاب السنة، من رواية صبيح بن عبد الله الفرغاني، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الأوزاعي قال: كان يقال خمس كان عليها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، والتابعون بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المساجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله، ( وذلك لما سمعوا من قوله صلى الله عليه وسلم: كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا ثلاث: أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله تعالى) ، هكذا أورده صاحب القوت بلا سند .

وقال العراقي: رواه الترمذي وابن ماجه من رواية صفية بنت شيبة، عن أم حبيبة رضي الله عنها، رفعته، فذكرته دون قوله ثلاث، وقال ابن ماجه: إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتعريف، قال الترمذي حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن يزيد بن خنيس، قال العراقي: وهو ثقة وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .

قلت: وأخرجه ابن السني، والطبراني في الكبير وابن شاهين في الترغيب في الذكر والعسكري [ ص: 399 ] في الأمثال، والحاكم والبيهقي، من هذا الطريق، ولفظهم: كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا أمر بمعروف، أو نهي عن منكر أو ذكر الله عز وجل، ( وقال الله تعالى: لا خير في كثير من نجواهم الآية) ، وتمامها إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس هكذا أورد صاحب القوت هذه الآية، هنا بعد الحديث .




الخدمات العلمية