الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثالث الإلهيات وهو بحث عن ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفردوا بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة وكما ، أن الاعتزال ليس علما برأسه بل أصحابه طائفة من المتكلمين وأهل البحث والنظر انفردوا بمذاهب باطلة فكذلك الفلاسفة .

التالي السابق


(والثالث الإلهيات) وهي خمسة أنواع:

علم الواجب وصفته وإليه الإشارة بقوله (وهو بحث عن ذات الله وصفاته) .

الثاني: علم الروحانيات وهي معرفة الجواهر البسيطة العقلية العنانية التي هي الملائكة .

الثالث: العلوم النفسانية، وهي معرفة النفوس المتجسدة والأرواح السارية في الأجسام الملكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض .

الرابع: علم السياسات وهي خمسة أنواع:

الأول: علم سياسة النبوة .

الثاني: علم سياسة الملك، وتحته الفلاحة والرعاية .

الثالث: علم قود الجيش ومكايد الحرب والبيطرة وآداب الملوك .

الرابع: العلم المدني كعلم سياسة العامة، وعلم سياسة الخاصة، وهي سياسة المنزل .

الخامس: علم سياسة الذات، وهو علم الأخلاق (وهو أيضا داخل في الكلام) أي بالنظر إلى النوع الأول من أنواعه الخمسة (والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفردوا بمذاهب بعضها بدعة وبعضها كفر، فكما أن الاعتزال ليس هو علم برأسه بل أصحابه طائفة من المتكلمين وأهل البحث والنظر انفردوا بمذاهب باطلة فكذلك الفلاسفة) وقد أشبع المصنف في هذا المقام في كتابه المنقذ من الضلال، فقال: وأما الإلهيات ففيها أكثر أغاليطهم وما قدروا على الوفاء بها بالبراهين على ما شرطوا في المنطق، ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيه ومجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلا يجب تكفيرهم في ثلاثة منها وتبديعهم في سبعة عشر، ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت، وأما المسائل الثلاث فقد خالفوا فيها كافة الإسلاميين وذلك في قولهم: إن الأجسام لا تحشر وأن المثاب والمعاقب هي الأرواح المجردة والعقوبات روحانية لا جسمانية، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا به ومن ذلك قولهم: إن الله يعلم الكليات دون الجزئيات وهذا أيضا كفر صريح بل الحق أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شيء من ذلك .

وأما السياسات فجميع كلامهم يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلقة بالأمور الدنيوية والإمامة السلطانية، وإنما أخذوها من كتب الله المنزلة على الأنبياء ومن الحكم المأثورة عن سلف الأولياء، وأما الخلقية فجميع كلامهم فيها إلى حصر صفات النفس وأخلاقها وذكر أجناسها وأنواعها وكيفية معالجتها ومجاهدتها، وإنما أخذوها من كلام الصوفية، وهم المتألهون المثابرون على ذكر الله تعالى وعلى مخالفة الهوى وسلوك الطريق إلى الله بالإعراض عن ملاذ الدنيا وقد انكشف في حالاتهم من أخلاق النفس وعيوبها وآفات أعمالها ما صرحوا به فأخذتها الفلاسفة ومزجوا بها كلامهم توسلا بالتجمل إلى ترويج كلامهم الباطل، ولقد كان في عصرهم بل في كل عصر جماعة من المتألهين لا يخلي الله سبحانه وتعالى العالم عنهم، فإنهم أوتاد الأرض، ببركاتهم تنزل الرحمة على أهل الأرض كأصحاب الكهف، فتولد من جهة كلام النبوة وكلام الصوفية في كتبهم آفتان: آفة في حق القائل وآفة في حق الراد، ثم أطال في ذلك بما ليس موضع ذكره هنا .




الخدمات العلمية