الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
والرابع : الطبيعيات وبعضها مخالف للشرع والدين والحق فهو جهل وليس بعلم حتى نورده في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغيرها وهو شبيه بنظر الأطباء إلا أن الطبيب ينظر في بدن الإنسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث تتغير وتتحرك ولكن للطب فضل عليه وهو أنه محتاج إليه .

وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها فإذن الكلام صار من جملة الصناعات الواجبة على الكفاية حراسة لقلوب العوام عن تخيلات المبتدعة وإنما حدث ذلك بحدوث البدع كما حدثت حاجة الإنسان إلى استئجار البذرقة في طريق الحج بحدوث ظلم العرب وقطعهم الطريق ولو ترك العرب عدوانهم لم يكن استئجار الحراس من شروط طريق الحج فلذلك لو ترك المبتدع هذيانه لما افتقر إلى الزيادة على ما عهد في عصر الصحابة رضي الله عنهم فليعلم المتكلم حده من الدين وأن موقعه منه موقع الحارس في طريق الحج فإذا تجرد الحارس للحراسة لم يكن من جملة الحاج والمتكلم إذا تجرد للمناظرة والمدافعة ولم يسلك طريق الآخرة ولم يشتغل بتعهد القلب وصلاحه لم يكن من جملة علماء الدين أصلا وليس عند المتكلم من الدين إلا العقيدة التي شاركه فيها سائر العوام وهي من جملة أعمال ظاهر القلب واللسان وإنما يتميز عن العامي بصنعة المجادلة والحراسة

التالي السابق


(الرابع: الطبيعيات) وهو النوع الرابع من علوم الفلسفة، والطبيعي علم يبحث فيه عن أحوال سائر الأجسام الطبيعية وموضوعه الجسم، وهو على سبعة أنواع:

علم المبادي وهو معرفة خمسة أشياء لا ينفك عنها جسم وهي الهيولي والصورة والزمان والمكان والحكمة، الثاني: علم السماء والعالم وما فيه، الثالث: علم الكون والفساد، الرابع: علم حوادث الجو، الخامس: علم المعادن، السادس: علم النبات، السابع: علم الحيوان ويدخل فيه علم الطب وفروعه (وبعضها مخالف للشرع والدين الحق فهو جهل وليس بعلم حتى يورد في العلوم وبعضها بحث عن [ ص: 185 ] صفات الأجسام وخواصها وكيفية استحالتها وتغيرها وهو شبيه بنظر الأطباء إلا أن الطبيب ينظر في بدن الإنسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث تتغير وتتحرك ولكن للطب فضل عليه) ومزية (وهو أنه محتاج إليه) لتعلقه ببدن الإنسان (وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها) .

قال المصنف في المنقذ من الضلال: أما الطبيعيات فهو بحث عن أجسام العالم السماوات وكواكبه وما تحتها من الأجسام المفردة كالسماء والهواء والتراب والنار، ومن الأجسام المركبة كالحيوان والنبات والمعادن، وعن أسباب تغيرها واستحالتها وامتزاجها، وذلك يضاهي بحث الطبيب عن جسم الإنسان وأعضائه الرئيسة والخادمة وأسباب استحالة مزاجها، ولا ينكر فيه إلا على مسائل مبينة ذكرناها في كتاب تهافت الفلاسفة، وما عداها مما تجب المخالفة فيها فعند التأويل يتعين أنها مندرجة تحتها، وأصل حملتها أن تعلم أن الطبيعة مسخرة لله تعالى لا تعمل بنفسها بل مستعملة من جهة فاطرها، والشمس والقمر والنجوم والطبائع مسخرات بأمره، لا تعمل بنفسها بل لا فعل لشيء منها بذاته عن ذاته. اهـ .

(فإذا الكلام صار من جملة الصناعات الواجبة على الكفاية) وأيده ابن السبكي في مواضع من طبقاته، والمراد به علم العقائد بالحجج الشرعية والبراهين النقلية، وهو أشرف العلوم الدينية؛ لأنه يبحث فيه عما يتوقف صحة الإيمان عليه، وتتماته اللازمة لديه، وأما ما تنصب فيه الأدلة العقلية وتنقل فيه أقوال الفلاسفة والحكماء الطبيعية فقد نقل ذمه نص الإمام الشافعي -رضي الله عنه- لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من علم الكلام، وذكر في غياث المفتي عن أبي يوسف أنه لا يجوز الصلاة خلف المتكلم وإن تكلم بحق؛ لأنه مبتدع ولا يجوز خلف المبتدع .

وقال صاحب القوت: اعلم أن علم الكلام ينقسم سبعة أقسام: العلم منه قسم واحد وسائر الستة لغو مطروح يلتقطه من لا يعرفه ولا يفرق بين العلم والجهل، والعرب تقول: لكل ساقطة لاقطة ولكل قائلة ناقلة، فالستة إفك وسفه وخطأ وظن وزخرف ووسوسة، هذه أسماؤها عند العلماء يفصلون ذلك مما فصل الله تعالى من بيانه واستحفظهم من كتابه وجعلهم شهداء على دينه وعباده .

والقسم السابع من أقسام الكلام: هو ما عدا هذه الستة، ولم يقع على اسم منها اسم مذموم فهو علم وهو نص القرآن والسنة أو ما دلا عليه واستنبط منهما أو وجد فيهما اسمه ومعناه من قول وفعل، والتأويل إذا لم يخرج من الإجماع داخل في العلم والاستنباط إذا كان مستودعا في الكتاب يشهد له المجمل ولا ينافيه النص فهو علم. اهـ .

(حراسة) أي: حفظا (لقلوب العوام) في اعتقاداتهم ( عن تخيلات المبتدعة) وشبههم التي يلقونها (وإنما حدث ذلك) بعد عصر السلف (بحدوث البدع) المستنكرة (كما حدث حاجة استئجار البذرقة) أي: الخفراء (في طريق الحج لحدوث ظلم العرب) وتعديهم (وقطعهم الطريق) على الحاج (ولو ترك العرب عداوتهم) وامتنعوا من قطع الطريق (لم يكن استئجار الحراس من شروط طريق الحج) إشارة إلى ما قاله الفقهاء من شروط الحج أمن الطريق، وهو أن يكون الغالب فيه السلامة، وقد اختلف عندنا هل هو شرط الأداء أو شرط الوجوب وهو الصحيح، وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الإيصاء على من لم يحج وأدركه الموت والطريق غير مأمون فيجب على الثاني، دون الأول ولو كان الطريق بحرا لا يجب، ولو كان نهرا أو كان الغالب في البحر السلامة يجب كذا في شرح الملتقى للبهيتي (وكذلك لو ترك المبتدع هذيانه) أي: كلامه الذي لا فائدة فيه (لما افتقر) أي: ما احتاج (إلى الزيادة على ما عهد في عصر الصحابة) رضي الله عنهم، إذ كان علمهم عن مشاهدة ويقين .

(فليعلم المتكلم حده من الدين وأن موقعه موقع الحارس في طريق الحج) فقط (فإن تجرد الحارس للحراسة) أي: نصب نفسه لها ولم ينو غيرها (لم يكن من جملة الحاج) قطعا (والمتكلم) كذلك (إن تجرد للمناظرة والمدافعة) عن العوام (ولم يسلك طريق الآخرة ولم يشتغل بتعهد القلب وصلاحه) من طرق الأوصاف الذميمة لم يكن [ ص: 186 ] من جملة علماء الدين أصلا بهذا الاعتبار، فظاهر كلام السبكي في شرح المنهاج أن المتكلم من جملة علماء الدين إذا كان على قوانين الشرع، ولم يخرج عنها إلى الفلسفة (وليس عند المتكلم من الدين إلا العقيدة التي يشاركه سائر العوام فيها وهي من جملة أعمال ظاهر القلب واللسان وإنما تميز عن العامي بصنعة المجادلة) والمناظرة (والحراسة) عما يرد عليها من الشكوك والشبهات .




الخدمات العلمية