الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالى فانظر إلى إنصاف الداعي وإلى درجة المدعو له وقس به الأقران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما بينهم من المشاحنة والبغضاء لتعلم تقصيرهم في دعوى الاقتداء بهؤلاء ولكثرة دعائه له قال له ابنه أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء ؟ فقال أحمد : يا بني كان الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف وكان أحمد رحمه الله يقول ما مس أحد بيده محبرة إلا وللشافعي رحمه الله في عنقه منة .

وقال يحيى بن سعيد القطان . ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو فيها للشافعي لما فتح الله عز وجل عليه من العلم ووفقه للسداد فيه .

ولنقتصر على هذه النبذة من أحواله فإن ذلك خارج عن الحصر وأكثر هذه المناقب نقلناه من الكتاب الذي صنفه الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه الله تعالى في مناقب الشافعي رضي الله عنه وعن جميع المسلمين .

التالي السابق


(وقال أحمد بن حنبل) الإمام (ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي) قال زكريا يحيى بن الساجي حدثني محمد بن خلاد البغدادي حدثني الفضل بن زياد عن أحمد بن حنبل [ ص: 200 ] قال هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي وما بت منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو الله للشافعي وأستغفر له، وأخرج الخطيب من رواية أبي عثمان محمد بن محمد بن إدريس الشافعي قال: قال لي أحمد بن حنبل أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم في السجود قلت: وقال الميمون: قال أحمد: ستة أدعو لهم سحرا منهم الشافعي، وأخرج الخطيب أيضا من رواية خطاب بن بشر، قال: سمعت أحمد بن حنبل يذكر أبا عثمان أمر أبيه فقال يرحم الله أبا عبد الله ما أصلي صلاة إلا دعوت فيها لخمسة هو أحدهم وما يتقدمه منهم أحد، ويروى مثل هذا القول عن عبد الرحمن بن مهدي قال: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها (فانظر إلى إنصاف الداعي) في نفسه (وإلى درجة المدعو له) عند الله تعالى مع معرفة كل منهما قدر صاحبه فقد روى حرملة عن الشافعي قال حرملة عن الشافعي قال: خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من أحمد -رضي الله عنه- ( وقس به الأقران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما) يجري (بينهم من المشاحنة) والعداوة (والبغضاء) وقلة المعاونة (لتعلم تقصيرهم في دعوى الاقتداء بهؤلاء) الأئمة (ولكثرة دعائه له قال له ابنه) هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل ولد في سنة 213 وحدث عن أبيه وعبد الأعلى بن حماد وكامل بن طلحة ويحيى بن معين وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وشيبان بن فروخ وعباس بن الوليد النرسي وابن خيثمة وزهير بن حرب وسويد بن سعيد وأبي الربيع الرواني وعلي بن حكيم الأودي ومحمد بن جعفر الوركاني ويحيى بن عبد ربه وزكريا بن يحيى بن حمويه وعبد الله بن عمر بن أبان الجعفي ومحمد بن أبي بكر وسفيان بن وكيع وسلمة بن شبيب وداود بن عمر الضبي، ومن في طبقتهم وروى عنه أبو القاسم البغوي وعبد الله بن إسحاق المدائني ومحمد بن خلف ووكيع ويحيى بن صاعد وعبد الله النيسابوري والقاضيان والمحاملي وأحمد بن كامل وأبو علي بن الصواف، وأبو بكر النجاد وأبو الحسين بن المنادي ومحمد بن مخلد وأبو بكر الخلال وآخرون وكان ثبتا فهما ثقة (أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء؟ فقال أحمد: يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس) وفي نسخة: للأبدان (وانظر هل لهذين) أي: الشمس والعافية (من خلف) أي: عوض (وقال أحمد) فيما أخرجه الحاكم فقال: حدثني أبو الحسن أحمد بن محمد بن السري المقري، حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن الأشعري البغدادي سمعت الفضل بن زياد العطار يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول (ما يمس) وفي رواية الحاكم: ما مس (أحد محبرة) زاد الحاكم: ولا قلما، والمحبرة الدواة (إلا وللشافعي في عنقه منة) ويقرب منه قول أبي زرعة الرازي (ما أعلم أحدا أعظم منة على أهل الإسلام من الشافعي) .

(وقال) أبو سعيد (يحيى بن سعيد) بن فروخ التميمي مولاهم (القطان) الحافظ أحد الأعلام، روى عن هشام وحميد والأعمش، وعنه أحمد وابن معين وابن المديني، قال أحمد ما رأت عيناي مثله، وكان رأسا في العلم والعمل ولد سنة 158 وتوفي سنة 198 (ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو فيها للشافعي لما فتح الله -عز وجل- عليه من العلم ووفقه للسداد فيه) رواه ابن أبي حاتم عن الزعفراني قال أخبرت عن يحيى بن سعيد القطان قال: إني لأدعو الله للشافعي في كل صلاة أو في كل يوم لما فتح الله عليه من العلم ووفقه للسداد فيه (ولنقتصر على) ذكر هذه (النبذة) المختصرة (من أحواله) -رضي الله عنه- (فإن ذلك خارج عن الحصر) والتعداد (وأكثر هذه المناقب نقلناها من الكتاب الذي صنفه الشيخ) الفقيه الزاهد أبو الفتح (نصر بن إبراهيم) بن دواد (المقدسي) تفقه على الفقيه سليم بصور ثم رحل إلى ديار بكر وتفقه على محمد بن نبات الكازوني ودرس ببيت المقدس مرة ثم انتقل إلى صور وأقام بها عشر سنين ينشر العلم ثم إلى دمشق فأقام بها تسع سنين يحدث ويفتي ويدرس وهو على طريقة واحدة من الزهد والتصنيف وسلوك منهاج السلف ومن تصانيفه كتاب الحجة على تارك المحجة، والتهذيب، والكافي، والمقصود، وشرح [ ص: 201 ] الإشارة لشيخه سليم الرازي، ومن شيوخه في الحديث عبد الرحمن بن الطبيز وعلي بن السمسار ومحمد بن عوف المزني وابن سلوان وأبو علي الأهوازي هؤلاء بدمشق وسمع بغزة من محمد بن جعفر الميماسي وبآمد من هبة الله بن سليمان وبصور من الفقيه سليم وآخرون وأملى مجالس، روى عنه أبو بكر الخطيب وهو من شيوخه وأبو القاسم النسيب وأبو الفضل يحيى بن علي وجمال الإسلام أبو الحسن السلمي وأبو الفتح نصر الله المصيصي وهما من أخص تلامذته، وأبو علي حمزة الجيوبي توفي يوم الثلاثاء تاسع محرم سنة 506 بدمشق وقبره معروف في باب الصغير تحت قبر معاوية -رضي الله عنه- قال النووي سمعت الشيوخ يقولون الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب (في مناقب الشافعي -رحمه الله- تعالى) ، وهذا بيان من صنف في مناقبه، فأولهم داود بن علي الظاهري ثم زكريا بن يحيى الساجي وعبد الرحمن بن أبي حاتم وأبو الحسن محمد بن الحسين الهمداني المعروف بابن حمكان.

قال ابن كثير وهو ضعيف وفيما ينقله نكارة، ولا يكاد يخلو ما رواه عن غرابة ونكارة، وأبو الحسين الرازي والد تمام وأبو عبد الله بن شاكر القطان والزاهد إسماعيل بن محمد السرخسي وعبد القاهر بن طاهر البغدادي، والحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي والحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه والحافظ أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي زيد الأصبهاني المعروف بابن المقري، وأبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي والفقيه نصر المقدسي والحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه ذكر ترجمة بليغة أطنب فيها وذكر أشياء من ترجمة ابن حمكان وهو ضعيف، وأشياء من كتاب البلوي وهو وضاع كذاب، وكذلك جمع في مناقب الإمام أبو عبد الله فخر الدين محمد بن عمر الرازي، أستاذ المتكلمين في زمانه في مجلد وأطال العبارة فيها قال ابن كثير ولكنه اعتمد على منقولات كثيرة مكذوبة، ولا معتمد عنده في ذلك فلهذا كثر فيها الغرائب وكذلك الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام والحافظ عماد الدين بن كثير في أول طبقاته، والتاج السبكي في أول طبقاته الكبرى والحافظ ابن حجر في كلام مستقل سماه توالي التأنيس والحافظ قطب الدين الخيضري في أول كتاب اللمع الألمعية، والحافظ السيوطي في كتاب سماه شافي العي بمناقب الشافعي، فهؤلاء الذين بلغنا ممن صنف في مناقبه شكر الله سعيهم وجزاهم عن الإسلام خيرا .




الخدمات العلمية