واعلم أن هذه الرذائل لازمة للمشتغل بالتذكير والوعظ أيضا إذا كان قصده طلب القبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعزة وهي لازمة أيضا للمشتغل بعلم المذهب والفتاوى إذا كان قصده طلب القضاء وولاية الأوقاف والتقدم على الأقران .
وبالجملة هي لازمة لكل من يطلب بالعلم غير ثواب الله تعالى في الآخرة فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحييه حياة الأبد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه فلقد ضره مع أنه لم ينفعه وليته نجا منه رأسا برأس وهيهات هيهات فخطر العلم عظيم وطالبه طلب الملك المؤبد والنعيم السرمد فلا ينفك عن الملك أو الهلك وهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم يتفق له الإصابة في الأموال لم يطمع في السلامة من الإذلال بل لا بد من لزوم أفضح الأحوال .
فإن قلت في الرخصة في المناظرة فائدة وهي ترغيب الناس في طلب العلم إذ لولا حب الرياسة لاندرست العلوم : فقد صدقت فيما ذكرته من وجه ولكنه غير مفيد إذ لولا الوعد بالكرة والصولجان واللعب بالعصافير ما رغب الصبيان في المكتب وذلك لا يدل على أن الرغبة فيه محمودة ولولا حب الرياسة لاندرس العلم .
ولا يدل ذلك على أن طالب الرياسة ناج بل هو من الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم : وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم فطالب الرياسة في نفسه هالك وقد يصلح بسببه غيره إن كان يدعو إلى ترك الدنيا وذلك فيمن كان ظاهر حاله في ظاهر الأمر ظاهر حال علماء السلف ولكنه يضمر قصد الجاه فمثاله مثال الشمع الذي يحترق في نفسه ويستضيء به غيره فصلاح غيره في هلاكه فأما إذا كان يدعو إلى طلب الدنيا فمثاله مثال النار المحرقة التي تأكل نفسها وغيرها . إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر
فالعلماء ثلاثة إما مهلك نفسه وغيره وهم المصرحون بطلب الدنيا والمقبلون عليها وإما مسعد نفسه وغيره وهم الداعون الخلق إلى الله سبحانه ظاهرا وباطنا وإما مهلك نفسه مسعد غيره وهو الذي يدعو إلى الآخرة وقد رفض الدنيا في ظاهره وقصده في الباطن قبول الخلق وإقامة الجاه فانظر من أي الأقسام أنت ومن الذي اشتغلت بالاعتداد له فلا تظنن أن الله تعالى يقبل غير الخالص لوجهه تعالى من العلم والعمل .
وسيأتيك في كتاب الرياء بل في جميع ربع المهلكات ما ينفي عنك الريبة فيه إن شاء الله تعالى .