والتحقيق فيه أن ولكن الخوض فيه يوجب الأنس به حتى يشق تركه واستدامة الزينة لا تمكن إلا بمباشرة أسباب في الغالب يلزم من مراعاتها ارتكاب المعاصي من المداهنة ومراعاة الخلق ومراءاتهم وأمور أخر هي محظورة والحزم اجتناب ذلك لأن من خاض في الدنيا لا يسلم منها ألبتة ولو كانت السلامة مبذولة مع الخوض فيها لكان صلى الله عليه وسلم ، لا يبالغ في ترك الدنيا حتى نزع القميص المطرز بالعلم ونزع خاتم الذهب في أثناء الخطبة إلى غير ذلك مما سيأتي بيانه . التزين بالمباح ليس بحرام
وقد حكي أن يحيى بن يزيد النوفلي كتب إلى رضي الله عنهما مالك بن أنس بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على رسوله محمد في الأولين والآخرين من يحيى بن يزيد بن عبد الملك إلى أما بعد فقد بلغني أنك تلبس الدقاق وتأكل الرقاق وتجلس على الوطيء وتجعل على بابك حاجبا وقد جلست مجلس العلم وقد ضربت إليك المطي وارتحل إليك الناس واتخذوك إماما ورضوا بقولك فاتق الله تعالى يا مالك بن أنس وعليك بالتواضع كتبت إليك بالنصيحة مني كتابا ما اطلع عليه غير الله سبحانه وتعالى والسلام فكتب إليه مالك مالك .
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ، من إلى مالك بن أنس يحيى بن يزيد سلام الله عليك ، أما بعد .
فقد وصل إلي كتابك فوقع مني موقع النصيحة والشفقة ، والأدب أمتعك الله بالتقوى وجزاك بالنصيحة خيرا ، وأسأل الله تعالى التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فأما ما ذكرت لي أني آكل الرقاق ، وألبس الدقاق وأحتجب وأجلس على الوطيء فنحن نفعل ذلك ونستغفر الله تعالى فقد قال الله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وإني لأعلم أن ترك ذلك خير من الدخول فيه ولا تدعنا من كتابك فلسنا ندعك من كتابنا والسلام .
فانظر إلى إنصاف مالك إذ اعترف أن ترك ذلك خير من الدخول فيه ، وأفتى بأنه مباح وقد صدق فيهما جميعا ومثل مالك في منصبه إذا سمحت نفسه بالإنصاف والاعتراف في مثل هذه النصيحة فتقوى أيضا نفسه على الوقوف على حدود المباح ، حتى لا يحمله ذلك على المراءاة والمداهنة والتجاوز إلى المكروهات وأما غيره فلا يقدر عليه فالتعريج على التنعم بالمباح خطر عظيم وهو بعيد من الخوف والخشية وخاصية علماء الله تعالى الخشية وخاصية الخشية التباعد من مظان الخطر .