هي النفس ما عودتها تتعود .
أي : ما كلفتها أولا يصير لها طبعا آخرا .
هي النفس ما عودتها تتعود .
هِيَ النَّفْسُ مَا عَوَّدْتَهَا تَتَعَوَّدُ .
( هِيَ النَّفْسُ مَا حَمَّلْتَهَا تَتَحَمَّلُ )
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: مَا عَوَّدْتَهَا تَتَعَوَّدُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَنَبِّي، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ:لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ دَهْرِهِ مَا تَعَوَّدَا
( أَيْ: مَا كَلَّفْتَهَا أَوَّلًا يَصِيرُ لَهَا طَبْعًا آخِرًا) وَرُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ: ( حَتَّى يُكَابِدَ وَيُجَاهِدَ) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ nindex.php?page=treesubj&link=29542الرِّيَاضَةُ الْمَعْرُوفَةُ لِلسَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ مِنَ الصَّوْمِ وَالْخَلْوَةِ وَإِمَالَةِ [ ص: 22 ] النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ الْمَأْلُوفَةِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فِي مَبْدَأِ السُّلُوكِ الْعَامِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَعْرِفَ أَنَّ الرِّيَاضَةَ لِوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِنَّمَا اشْتَرَطَهَا الْحُكَمَاءُ لِتَخْلُوَ أَفْكَارُهُمْ لِلتَّلَقِّي عَنِ الرُّوحَانِيَّاتِ؛ فَإِنَّ الرُّوحَانِيَّاتِ لَا تُعْطِيهِمُ آثَارَهَا إِلَّا بِفَرَاغِ الْمَحَلِّ وَاسْتِعْدَادِهِ وَتَوَجُّهِهِ إِلَى أُفُقِهِمْ، وَأَمَّا الْعَارِفُونَ بِاللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا نِسْبَتُهَا إِلَى الْحَقِّ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَهُمْ يَشْهَدُونَهُ سُبْحَانَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَحْجُبُهُمْ عَنْهُ شَيْءٌ؛ وَلِهَذَا جَاءَتِ الشَّرَائِعُ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ فَأَثْبَتَ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى أَصْلِهِ؛ إِذْ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهُمْ أَصْلٌ إِلَى الْحَقِّ، فَافْهَمْ ذَلِكَ .( هي النفس ما حملتها تتحمل )
وفي بعض النسخ: ما عودتها تتعود، وهو قول المتنبي، ومثله قوله:لكل امرئ من دهره ما تعودا
( أي: ما كلفتها أولا يصير لها طبعا آخرا) وربما يفهم من سياق المصنف في قوله: ( حتى يكابد ويجاهد) أن المراد به nindex.php?page=treesubj&link=29542الرياضة المعروفة للسادة الصوفية من الصوم والخلوة وإمالة [ ص: 22 ] النفس عن الشهوات المألوفة، كما هو الشأن عند الأكثرين في مبدأ السلوك العام، وهو صحيح في نفسه، ولكن ينبغي أن تعرف أن الرياضة لوجه المذكور إنما اشترطها الحكماء لتخلو أفكارهم للتلقي عن الروحانيات؛ فإن الروحانيات لا تعطيهم آثارها إلا بفراغ المحل واستعداده وتوجهه إلى أفقهم، وأما العارفون بالله تعالى فإنهم علموا أن الأشياء كلها نسبتها إلى الحق نسبة واحدة، فهم يشهدونه سبحانه في كل شيء ولا يحجبهم عنه شيء؛ ولهذا جاءت الشرائع بالأمر العام فأثبت كل أحد على أصله؛ إذ لكل نوع منهم أصل إلى الحق، فافهم ذلك .