الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وجملة فروع الباب تندرج تحت هذه الرابطة ولكنا ، لا نطول بشرحها فقد طولنا القول فيها في الفقهيات وإنما نشير إلى ما تعم به البلوى فليراع في العمل المستأجر عليه خمسة أمور .

الأول : أن يكون متقوما بأن يكون فيه كلفة وتعب .

فلو استأجر طعاما ليزين به الدكان ، أو أشجارا ليجفف عليها الثياب أو دراهم ليزين بها الدكان لم يجز فإن هذه المنافع تجري مجرى حبة سمسم وحبة ، بر من الأعيان ، وذلك لا يجوز بيعه ، وهي كالنظر في مرآة الغير ، والشرب من بئره ، والاستظلال بجداره ، والاقتباس من ناره ولهذا لو استأجر بياعا على أن يتكلم بكلمة يروج بها سلعته لم يجز .

وما يأخذه البياعون عوضا عن حشمتهم وجاههم ، وقبول قولهم في ترويج السلع ، فهو حرام إذ ليس يصدر منهم إلا كلمة لا تعب فيها ، ولا قيمة لها وإنما يحل لهم ذلك إذ تعبوا بكثرة التردد أو بكثرة الكلام في تأليف أمر المعاملة .

ثم لا يستحقون إلا أجرة المثل فأما ما تواطأ عليه الباعة فهو ظلم وليس مأخوذا بالحق .

التالي السابق


(وجملة فروع هذا الباب تندرج تحت هذه الرابطة، لكنا لا نطول بشرحها) هنا (فقد طولنا القول فيها في الفقهيات) البسيط، والوسيط، والوجيز، والخلاصة (وإنما نشير) هنا (إلى ما تعم به البلوى) وتشتد إليه الضرورة (فلتراع في العمل المستأجر عليه أمورا خمسة) هذا شروع في بيان شرائط المنفعة، وعدها المصنف في الوجيز خمسة، تقدم ذكرها إجمالا، وهنا تذكر تفصيلا (الأول: أن يكون متقوما) أي: ذا قيمة، ليحسن بذل المال في مقابلته، ولو لم يكن متقوما لكان بذل المال في مقابلته سفها، فيمنع منه كما يمنع من شراء ما لا ينتفع به، ويكون أيضا متقوما (بأن يكون فيه كلفة وتعب) أي: نوع مشقة .

ثم فرع على هذا الشرط فروعا، فقال: (فلو استأجر طعامه ليزين به الدكان، أو أشجاره ليجفف [ ص: 461 ] عليها الثياب) وكذا الجلوس والوقوف تحتها، وفيه وجهان، أصحهما: الجواز عند البعض; لكون هذه المنافع مقصودة (أو) استأجر (دراهم) ودنانير (ليزين بها الدكان) كل ذلك (لم يجز) في أظهر القولين; لأنها لا قيمة لها على الأصح، وكذا لا يجوز إعارتها لذلك .

ومن ذلك أيضا: ما لو استأجر تفاحة واحدة للشم; لأن هذه المنافع (تجري مجرى حبة سمسم، أو حبة بر من الأعيان، وذلك لا يجوز بيعها، وهي كالنظر في مرآة الغير، والشرب من بئره، والاستظلال بجداره، والاقتباس من ناره) .

ثم فرع على قوله: فيه كلفة وتعب، فقال: (ولهذا لو استأجر بياعا) أي: دلالا (على أن يتكلم بكلمة) لا تتعب وإن كانت (يروج بها سلعته لم يجز) أي: لا تصلح الإجارة عليها; إذ لا قيمة للكلمة التي لا تعب فيها (وما يأخذه البياعون عوضا عن جاههم، وحشمتهم، وقبول قولهم في ترويج السلع، فهو حرام) صرف (إذ ليس يصدر منهم إلا كلمة لا تعب فيها، ولا قيمة لها) وقال محمد بن يحيى، تلميذ المصنف، في شرح الوسيط: ذلك في البيع المستقر قيمته في البلد، كاللحم، والخبز، وغيرهما .

وأما ما يختلف قدر الثمن باختلاف المتعاقدين، كالعبيد، والثياب، فيجوز الاستئجار عليه; لأن مبيعها من البياع، والنداء عليها، مما يختص بمزيد منفعة، وفائدة، وقد يشير إلى هذا سياق المصنف هنا حيث قال: (وإنما يحل لهم إذا تعبوا إما بكثرة التردد) ذهابا، ومجيئا (وإما بكثرة الكلام في تأليف أمر المعاش) مما يروج بها السلع، ولكن بشرط عرض تام على الراغبين لتلك السلعة، فلو صاح، ونادى، وتردد، ولم يعلمه الراغب، فلا يحل له أخذ الأجرة أيضا (ثم لا يستحقون إلا أجرة المثل) لا زيادة (فأما ما تواطأ عليه الباعة) في الأسواق (فهو ظلم) وتعد (وليس مأخوذا بالحق) على الوجه الذي يرضي الحق جل شأنه .




الخدمات العلمية