الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يجوز بيع الثوب في المنسج اعتمادا على الرقوم ولا بيع الحنطة في سنبلها ويجوز بيع الأرز في قشرته التي يدخر فيها وكذا بيع الجوز ، واللوز في القشرة السفلى ، ولا يجوز في القشرتين ويجوز بيع الباقلاء الرطب في قشرته للحاجة ويتسامح ببيع الفقاع لجريان عادة الأولين به ولكن نجعله إباحة بعوض فإن اشتراه ليبيعه فالقياس بطلانه؛ لأنه ليس مستترا ستر خلقة ولا يبعد أن يتسامح به ; إذ في إخراجه إفساده كالرمان وما يستر بستر خلق معه .



التالي السابق


فمن فروع هذه المسألة: ما أشار إليه المصنف، فقال: (ولا يجوز بيع) الثوب (التوزي) منسوب إلى توز كبقم، بلدة بفارس، يقال أنها كثيرة النخل، شديدة الحر، وإليها تنسب تلك الثياب، وضبطه صاحب المصباح، بالضم، ووزنه نفعل، والفتح نسبة إلى عوام العجم (في المسوح) بالضم، جمع مسح، بالكسر كساء أسود من صوف (اعتمادا على الرقوم) التي كتبت عليه، قال الإمام: وعموم عرف الزمان، محمول على المحافظة على المالية، والإضراب عن رعاية حدود الشرع .

(ولا بيع الحنطة في سنبلها) ; لأن المعقود عليه مستور، غائب عن البصر، ولا يعلم وجوده، فلا يجوز بيعه، فصار كبزر البطيخ، وحب القطن، واللبن في الضرع، والزيت في الزيتون، قبل الاستخراج، وهذا هو القول القديم، وفي الجديد وبه قال أبو حنيفة، أنه يجوز; لأنه مال متقوم، منتفع به، فيجوز بيعه في نشره، كالشعير، واحتج بحديث: نهى عن بيع النخل حتى تزهو، وعن بيع السنبل حتى يتبيض. رواه أحمد، ومسلم، وغيرهما، ووجه الاستدلال: أنه يقتضي جواز بيعه بالنص مطلقا، من غير قيد بالترك، ولو كان كما قاله الشافعي، قال: حتى يفرك، والفرق بينه وبين ما ذكر: أن الغالب في السنبلة الحنطة، ألا ترى أنه يقال: هذه حنطة، وهي في سنبلها، ولا يقال: هذا حب، ولا هذا لبن، ولا زيت، ولا قطن، وعلى هذا الخلاف الفستق، والبندق، والجوز، والحمص الأخضر، وسائر الحبوب المغلفة .

(ويجوز بيع الأرز في قشرته التي يدخر فيها) فإن قشرته صوان له، فهو ملحق بالشعير، وبه قال ابن القاص، وأبو علي البصري، ومنهم من يلحقه بالحنطة (وكذا بيع) ما له كمامان يزال أحدهما، ويبقى الآخر إلى وقت الأكل، مثل (الجوز، واللوز) والرانج (في القشرة السفلى، ولا يجوز في القشرتين) لا على رأس الشجرة، ولا على وجه الأرض; لستر المعقود بما ليس من صلاحه، وفيه قول: أنه يجوز ما دام رطبا في القشرة العليا، وبه قال ابن القاص، والإصطخري; لتعلق الصلاح به، من حيث أنه يصون القشرة السفلى، ويحفظ رطوبة اللب .

ثم اعلم أن الشيء إذا كان مما لا يستدل برؤية بعضه على الباقي، نظر، إن كان المرئي صوانا للباقي، كقشر الرمان، والبيض، كفى رؤيته، وإن كان معظم المقصود مستورا; لأن صلاحه ببقائه فيه، وكذا لو اشترى الجوز، واللوز في القشرة السفلى .

ولا يصح بيع اللب وحده فيها; لأن تسليمه لا يمكن إلا بكسر القشر، وفيه تغيير عين المبيع (ويجوز بيع الباقلا الرطب في قشره الأعلى للحاجة) والضرورة، على الخلاف المذكور في الجوز، واللوز، وادعى الإمام أن الأظهر فيه: الصحة; لأن الشافعي، رضي الله عنه، أمر بعض أعوانه، أن يشتري له الباقلا الرطب .

(ويتسامح ببيع الفقاع) بضم، فتشديد: شراب الزبيب; (لجريان عادة الأولين) ببيعه، من غير رؤية جميعه (ولكن نجعله إباحة) بعوض، فلو اشتراه ليبيعه، فالقياس بطلانه; لأنه ليس مستترا خلقة، ولا (يبعد أن يتسامح به; إذ في إخراجه إفساد) فصار (كالرمان، وما يستتر خلقة) صرح النووي في فتاويه، بجواز بيع الفقاع، وقال: ولا كراهة فيه; لمشقة رؤيته; ولأن بقاءه في الكوز من مصلحته، اهـ. وقال الرافعي: وذكر أبو الحسن العبادي: أن الفقاع يفتح رأسه، وينظر فيه بقدر الإمكان، حتى يصح بيعه، وصاحب الكتاب، يعني المصنف، أطلق المسامحة في الإحياء، فيما أظن. قال النووي: قلت: الأصح: قول الغزالي، والله أعلم .

ثم اعلم أن الرؤية في كل شيء على حسب ما يليق به، ففي شراء الدار، لا بد من: رؤية السقوف، والجدران، والسطح، داخلا، وخارجا. وفي الحمام: من رؤية المستحم، والبالوعة. وفي البستان: من رؤية الأشجار، ومسايل الماء. وفي شراء العبد، لا بد من: رؤية الوجه، والأطراف، إلا العورة. وفي باقي البدن: وجهان، أظهرهما: أنه لا بد من رؤيته. وفي الجارية، وجوه، الأصح: أنها كالعبد. وفي الدواب لا بد من: رؤية مقدمها، [ ص: 439 ] ومؤخرها، وقوائمها، وتحت السرج، والإكاف، والجل. وفي شراء الكتب لا بد من: تقليب الأوراق، ورؤية جميعها. وفي البياض لا بد من: رؤية جميع الطاقات .






الخدمات العلمية