الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإذا فرغ قال : سبحان الملك القدوس ثلاث مرات .

الثالث : الوتر وليوتر قبل النوم إن لم يكن عادته القيام قال أبو هريرة رضي الله عنه : " أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أنام إلا على وتر " وإن كان معتادا صلاة الليل فالتأخير أفضل ، قال صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة " وقالت عائشة رضي الله عنها : " أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم أول الليل وأوسطه ، وآخره ، وانتهى وتره إلى السحر " وقال علي رضي الله عنه : " الوتر على ثلاثة أنحاء إن شئت أوترت أول الليل ، ثم صليت ركعتين ركعتين ، يعني أنه يصير وترا بما مضى . وإن شئت أوترت بركعة ، فإذا استيقظت شفعت إليها أخرى ثم أوترت ، من آخر الليل ، وإن شئت أخرت الوتر ليكون آخر صلاتك " هذا ما روي عنه ، والطريق الأول والثالث لا بأس به ، وأما نقض الوتر فقد صح فيه نهي فلا ينبغي أن ينقض وروي مطلقا أنه صلى الله عليه وسلم قال : " لا وتران في ليلة

التالي السابق


( فإذا فرغ) من وتره ( قال: سبحان الملك القدوس) رب الملائكة والروح ( ثلاث مرات) هكذا نقله صاحب القوت .

( الثالث: الوتر) قد تقدم الكلام عليه في كتاب الصلاة ( وليوتر قبل النوم إن لم يكن عادته القيام) من الليل بنية الخبر المروي فيه ( قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "أوصاني خليلي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا أنام إلا على وتر") متفق عليه بلفظ: "أن أوتر قبل أن أنام" ( وإن كان معتادا صلاة الليل) أو كان واثقا بنفسه على قيامه ( فالتأخير) إلى آخر صلاته من تهجده أو إلى السحر ( أفضل، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة") .

الكلام على هذا الحديث من وجوه:

*الأول: أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من طريق مالك، عن سالم، عن ابن عمر .

ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق الليث، عن نافع، عن ابن عمر: "أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل، فقال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى".

وأخرج مسلم والنسائي وابن ماجه من طريق سفيان بن عيينة، والبخاري والنسائي من طريق شعيب بن أبي حمزة، ومسلم والنسائي من طريق عمرو بن الحارث، والنسائي من طريق محمد بن الوليد الزبيدي، أربعتهم عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر.

*الثاني: قوله "مثنى مثنى" أي: اثنين اثنين، وهو ممنوع من الصرف للعدل والوصف، وفي صحيح مسلم، عن عقبة بن حريث: "فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ فقال: يسلم من كل ركعتين" وفائدة تكرير ذلك مجرد التأكيد .

*الثالث: فيه أن الأفضل في نافلة الليل أن يسلم من كل ركعتين، وهو قول مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد والجمهور .

ورواه ابن أبي شيبة، عن أبي هريرة، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، وغيرهم .

وحكاه ابن المنذر عن الليث بن سعد، وحكاه ابن عبد البر، عن ابن أبي ليلى، وأبي ثور وداود، وقال الترمذي في جامعه: والعمل على هذا عند أهل العلم، أن صلاة الليل مثنى، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. اهـ .

وقال أبو حنيفة: الأفضل أن يصلي أربعا أربعا، وإن شاء ركعتين، وإن شاء ستا، وإن شاء ثمانيا، وتكره الزيادة على ذلك .

*الرابع: استدل بمفهومه على أن نوافل النهار لا يسلم فيها من كل ركعتين، بل الأفضل أن يصليها أربعا، وبهذا قال أبو حنيفة وصاحباه، ورجح ذلك بفعل راويه، فقد صح عنه أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا .

ورواه ابن أبي شيبة عنه، وعن نافع مولاه، والنخعي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وحكاه ابن المنذر عن إسحاق بن راهويه، وحكاه ابن عبد البر عن الأوزاعي.

وذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن الأفضل في نوافل النهار أيضا التسليم من كل ركعتين، ورواه ابن أبي شيبة، عن أبي هريرة، والحسن، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، وحماد بن أبي سليمان، وحكاه ابن المنذر عن الليث، وحكاه ابن عبد البر عن ابن أبي ليلى وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وداود.

والمعروف عن أبي يوسف ومحمد في نوافل النهار ترجيح أربع على ركعتين، وقد تقدم .

*الخامس: قوله: "فإذا خفت" دليل على خروج وقت الوتر بطلوع الصبح، وهو مذهب الشافعية والحنفية والجمهور، إلا أن المالكية قالوا: إنما يخرج بطلوع الفجر وقته الاختياري، ويبقى وقته الضروري [ ص: 156 ] إلى صلاة الصبح. هذا هو المشهور عندهم .

وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن وقته يمتد إلى صلاة الصبح .

*السادس: قوله: "فأوتر بركعة" فيه دليل مذهب مالك والشافعي وأحمد في جواز الوتر بركعة مفردة. ورواه البيهقي في سننه عن جماعة من الصحابة. وقال أبو حنيفة: يوتر بثلاث، وروى ذلك عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وأبي، وأبي أمامة، وأنس، وابن عباس، وعمر بن عبد العزيز.

*السابع: دل هذا الحديث على أن صلاة الليل لا حصر لها في العدد، وإنما يصلي بحسب ما تيسر من العدد، إلى أن يخشى الصبح، فيأتي بالوتر في آخر صلاته .

( وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول الليل وأوسطه، وآخره، وانتهى وتره إلى السحر") رواه البخاري ومسلم ( وقال علي -رضي الله عنه-: "الوتر على ثلاثة أنحاء) أي: أنواع ( إن شئت أوترت من أول الليل، ثم صليت ركعتين، يعني أنه يصير وترا بما مضى. وإن شئت أوترت بركعة، فإذا استيقظت شفعت إليها أخرى، فأوترت من آخر الليل، وإن شئت أخرت الوتر ليكون آخر صلاتك" هذا ما روي عنه، والطريق الأول) هو: أن يوتر أول الليل، ثم ينام، ثم يقوم، فيصلي مثنى مثنى ( والثالث) هو أن يؤخر وتره مرة واحدة فيأتي به في آخر صلاته ( لا بأس به، وأما نقض الوتر فقد صح فيه نهي فلا ينبغي أن ينقض) .

قال العراقي: إنما صح من قول عائد بن عمرو، وله صحبة، كما رواه البخاري، وقول ابن عباس كما رواه البيهقي، ولم يصرح المصنف بأنه مرفوع، فالظاهر أنه إنما أراد ما ذكرناه عن الصحابة .

( وروي مطلقا أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا وتران في ليلة") أي: إن نام على وتر، ورزق القيام لم يوتر بعده، وكفاه الأول .

قال العراقي: رواه أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي من حديث طلق بن علي. اهـ .

قلت: وكذلك رواه أحمد، وقال عبد الحق: صحيح، وقوله: "لا وتران" هذا على لغة من ينصب المثنى بالألف، كقراءة من قرأ "إن هذان لساحران" واستشكل بأن المغرب وتر وهذا وتر فيلزم وقوع وترين في ليلة، ورد بأن المغرب وتر النهار وهذا وتر الليل، وبأن المغرب الوتر المفروض وهذا وتر النفل .

وقال الولي العراقي في شرح التقريب: لو أوتر ثم أراد التنفل لم يشفع وتره على الصحيح المشهور عند أصحابنا وغيرهم، وقيل: يشفعه بركعة ثم يصلي، وإذا لم يشفعه فهل يعيد الوتر آخرا؟ فيه خلاف عند المالكية، وقال الشافعي: لا يعيد؛ لحديث "لا وتران في ليلة" اهـ .




الخدمات العلمية