الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الخامس : أن يجعل الأجل معلوما إن كان مؤجلا فلا يؤجل إلى الحصاد ولا إلى ، إدراك الثمار ، بل إلى الأشهر ، والأيام ، فإن الإدراك قد يتقدم ، وقد يتأخر .

التالي السابق


(الخامس: أن يجعل) المسلم (الأجل معلوما إن كان مؤجلا) أي: إذا ذكرا أجلا في السلم وجب أن يكون معلوما، قال صلى الله عليه وسلم: إلى أجل معلوم; لأنه إذا لم يكن معلوما يفضي إلى المنازعة .

وهل السلم الحال صحيح أو لا؟ قال الشافعي: صحيح، وقال الأئمة الثلاثة: لا يصح، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: إلى أجل معلوم. ودلائل الطرفين مذكورة في الفروع، فلو صرح بالحلول، أو بالتأجيل فذاك، وإن أطلق فوجهان، وقيل: قولان: أحدهما: أن العقد يبطل; لأن مطلق العقد يحمل على المعتاد، والمعتاد في السلم التأجيل، فإذا كان كذلك فيفسد، فيكون كما لو ذكر أجلا مجهولا. والثاني: يصح، ويكون حالا، كالثمن في البيع المطلق، وبالوجه الأول أجاب المصنف في الوجيز، ولكن الأصح عند الجمهور هو الثاني، وبه قال في الوسيط (فلا يؤجل إلى الحصاد، وإلى إدراك الثمار، بل إلى الأشهر، والأيام، فإن ذلك الإدراك قد يتقدم، وقد يتأخر) فيه صور: إحداها: لا يجوز تأقيته بما يختلف وقته كالحصاد، والدراس، وقدوم الحاج، خلافا لمالك .

لنا: أن ذلك يتقدم تارة، ويتأخر أخرى، فأشبه مجيء المطر، ولو قال: إلى العطاء لم يجز، إن أراد وصوله، فإن أراد وقت خروجه وقد عين السلطان له وقتا جاز، بخلاف ما إذا قال: إلى وقت الحصاد; إذ ليس له وقت معين، ولو قال: إلى الصيف أو الشتاء لم يجز، إلا أن يريد الوقت. وذكر ابن كج: أن ابن خزيمة جوز التأقيت بالميسرة .

الثانية: التأقيت بشهور الفرس والروم جائز، كالتأقيت بشهور العرب; لأنها معلومة مضبوطة، وكذا التأقيت بالنيروز والمهرجان; لأنهما يومان معلومان، كالعيد، وعرفة، وعاشوراء، وفي النهاية نقل وجه لا يجوز التأقيت بهما، ونص الشافعي على أنه لا يجوز التأقيت بفصح النصارى، وفي معنى الفصح سائر أعياد الملل، كفطير اليهود ونحوه .

الثالثة: لو أقتا بنفر الحجيج وقيدا بالأول أو الثاني جاز، وإن أطلقا فوجهان، أصحهما ويحكى عن نصه أنه صحيح، ويحمل على النفر الأول لتحقق الاسم به، وعلى هذا الخلاف التوقيت بشهور ربيع، وجمادى، أو بالعيد، ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الأول .

الرابعة: لو أجلا إلى سنة، أو سنتين، فمطلقه محمول على السنين الهلالية، ولو قال: بالعدد، فهو ثلاثمائة وستون يوما، وكذا مطلق الأشهر محمول على الشهور الهلالية، ثم ينظر، إن جرى العقد في أول الشهر، اعتبر الجميع بالأهلة، تامة كانت أو ناقصة، وإن جرى بعد مضي بعض الشهر عد الباقي منه بالأيام، واعتبرت الشهور بعد بالأهلة، ثم يتم المنكسر بالعد ثلاثين، وإنما كان ذلك; لأن الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين، إلا أن في [ ص: 456 ] الشهر المنكسر لا بد من الرجوع إلى العدد; كيلا يتأخر ابتداء الأجل عن العقد، وفيه وجه أنه إذا انكسر الشهر انكسر الجميع، فيعتبر الكل عددا، ويحكى هذا عن أبي حنيفة رحمه الله، والمذهب: الأول .

الخامسة: لو قال: إلى الجمعة، أو إلى رمضان، حل بأول جزء منه; لتحقيق الاسم به، وربما يقال: بانتهاء ليلة الجمعة، وبانتهاء شعبان، والمقصود واحد، ولو قال: محله في الجمعة، أو في رمضان، فوجهان، عن ابن أبي هريرة: أنه يجوز، ويحمل على الأول، وأصحهما: المنع; لأنه جعل اليوم والشهر ظرفا، فكأنه قال: محله وقت من أوقات يوم كذا .

ولو قال إلى أول شهر كذا، أو آخره، فعن عامة الأصحاب: بطلانه; لأن اسم الأول والآخر يقع على جميع النصف، فلا بد من البيان، وإلا فهو مجهول، وقال الإمام البغوي: وجب أن يصح، ويحمل على الجزء من كل نصف على قياس مسألة النفر .



(فصل)

قال أصحابنا: أقل الأجل شهر، روي ذلك عن محمد، وقيل: ثلاثة أيام، رواه الطحاوي عن الأصحاب اعتبارا بشرط الخيار، وقيل: أكثر من نصف يوم; لأن المعجل: ما كان مقبوضا في المجلس، والمؤجل: ما يتأخر قبضه عن المجلس، ولا يبقى المجلس بينهما عادة أكثر من نصف يوم، وعن الكرخي: أنه ينظر إلى مقدار المسلم فيه، وإلى عرف الناس في التأجيل في مثله، فإن أجل فيه قدر ما يؤجل الناس في مثله جاز، وإلا فلا، والأول أصح، وبه يفتى .




الخدمات العلمية