الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثالث المتعلم : والاشتغال بالتعلم أفضل من الاشتغال بالأذكار والنوافل فحكمه حكم العالم في ترتيب الأوراد ولكن يشتغل بالاستفادة حيث يشتغل العالم بالإفادة وبالتعليق والنسخ حيث يشتغل العالم بالتصنيف ويرتب أوقاته كما ذكرنا ، وكل ما ذكرناه في فضيلة التعلم والعلم من كتاب العلم يدل على أن ذلك أفضل ، بل إن لم يكن متعلما على معنى أنه يعلق ويحصل ليصير عالما ، بل كان من العوام فحضوره مجالس الذكر والوعظ والعلم أفضل من اشتغاله بالأوراد التي ذكرناها بعد الصبح وبعد الطلوع ، وفي سائر الأوقات ، ففي حديث أبي ذر رضي الله عنه : أن حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة ، وشهود ألف جنازة ، وعيادة ألف مريض وقال صلى الله عليه وسلم إذا : رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها فقيل : يا رسول الله وما رياض الجنة ؟ قال : حلق الذكر وقال كعب الأحبار رضي الله عنه لو أن ثواب مجالس العلماء بدا للناس لاقتتلوا عليه حتى يترك كل ذي إمارة إمارته ، وكل ذي سوق سوقه وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن : الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة ، فإذا سمع العالم خاف واسترجع عن ذنوبه وانصرف ، إلى منزله ، وليس عليه ذنب ، فلا تفارقوا مجالس العلماء فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض تربة أكرم من مجالس العلماء ، وقال رجل للحسن رحمه الله أشكو إليك قساوة قلبي فقال : أدنه من مجالس الذكر .

ورأى عمار الزاهدي مسكينة الطفاوية في المنام ، وكانت من المواظبات على حلق الذكر فقال مرحبا يا مسكينة ، فقالت : هيهات هيهات ، ذهبت المسكنة وجاء الغنى . فقال : هيه فقالت ما : تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها قال وبم : ذلك قالت : بمجالسة أهل الذكر وعلى الجملة فما ينحل عن القلب من عقد حب الدنيا بقول واعظ حسن الكلام زكي السيرة أشرف وأنفع من ركعات كثيرة مع اشتمال القلب على حب الدنيا

التالي السابق


(الثالث المتعلم: والاشتغال بالعلم أفضل من الاشتغال بالأذكار والنوافل) ، بل الاشتغال بالعلم اشتغال بالذكر; إذ العلم الذي يشتغل به يذكر فيه الله ورسوله فهو ذكر، (فحكمه حكم العالم في ترتيب الأوراد) كما ذكرنا، (ولكن يشتغل بالاستفادة حيث يشتغل العالم بالإفادة) يشتغل (بالتعليق والنسخ حيث يشتغل العالم بالتصنيف) والجمع، والمراد بالتعليق هنا ضبط ما سمعه من الشيخ في طرة الكتاب حفظا له، والنسخ كتابة ما يحتاج إليه في دراسته، (وترتيب أوقاته كما ذكرنا، وكل ما ذكرناه في فضيلة التعلم والعلم من كتاب العلم يدل على أن ذلك أفضل، بل إن لم يكن متعلما على معنى أنه يعلق ويحصل ليصير) بذلك (عالما، بل من العوام) ، وإنما حضوره في مجالس العلماء للاستماع فقط، (فحضوره مجالس الذكر والوعظ والعلم أفضل من اشتغاله بالأوراد التي ذكرناها بعد الصبح وبعد الطلوع، وفي سائر الأوقات، ففي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن حضور مجلس الذكر) ، وفي رواية: مجلس علم (أفضل من صلاة ألف ركعة، وشهود ألف جنازة، وعيادة ألف مريض) تقدم للمصنف في كتاب العلم بلفظ: حضور مجلس عالم، وتقدم أن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات من حديث عمر، وقال العراقي: لم أجده من طريق أبي ذر.

(وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن رأيتم رياض الجنة فارتعوا فيها، قيل: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر) . رواه الترمذي وصححه من حديث أنس بلفظ: إذا مررتم، وتقدم للمصنف كذلك في كتاب العلم .

(وقال كعب الأحبار لو أن أحوال [ ص: 174 ] ثواب المجالس) أي: مجالس العلم والذكر (بدا) أي: ظهر (للناس لاقتتلوا عليه) بالسيوف (حتى يترك كل ذي إمارة إمارته، وكل ذي سوق سوقه) . أخرجه أبو نعيم في " الحلية " .

(وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إن الرجل ليخرج من منزله وعليه من الذنوب مثل جبال تهامة، فإذا سمع العالم) .وفي نسخة: العلم (خاف واسترجع عن ذنوبه، انصرف إلى منزله، وليس عليه ذنب، فلا تفارقوا مجالس العلماء) .وفي نسخة: العلم، (فإن الله عز وجل لم يخلق على وجه الأرض تربة أكرم عليه من مجالس العلماء، وقال رجل للحسن) -رحمه الله تعالى -: يا أبا سعيد (أشكو إليك قساوة قلبي، قال: أدنه) بفتح الهمزة وكسر النون، أمر من أدناه، إذا قربه (من مجالس الذكر) أي: اجعله قريبا منها بحضورك لها .

(ورأى عمار الزاهد) هو والد منصور القاص (مسكينة) امرأة من الصالحات العابدات، ذكرها ابن الجوزي في "الطبقات" (الطفاوية) منسوبة إلى بني طفاوة بطن من العرب (في المنام، وكانت من المواظبات على حلق الذكر) ومجالس العلم، (فقال) لها: (مرحبا يا مسكينة، فقالت: هيهات هيهات، ذهبت المسكنة) أي: الفقر ومنها اشتقاق المسكين (وجاء الغنى. فقال: هيه) كلمة استزادة (فقالت: لا تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيرها) أي: بأجمعها (قال: ولم ذلك) أي: بأي شيء نلت ذلك؟ (قالت: بمجالسة أهل الذكر) وهم أهل العلم والصلاح بدليل قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (وعلى الجملة فما ينحل عن القلب عقدة من عقد حب الدنيا بقول واعظ) أي: ناصح (حسن الكلام) أي: في سوقه (زكي السيرة) أي: طاهرها (أشرف وأنفع من ركعات كثيرة مع اشتمال القلب على حب الدنيا) ، وإنما القصد من الأوراد تزكية النفس وتطهيرها، فإذا لم ينزع الورد حب الدنيا من قلب صاحبه لم ينتفع به صاحبه .




الخدمات العلمية