الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع وهو أشرف البواعث الحب لله ، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به وتلذذ بالمناجاة فتحمله لذة المناجاة بالحبيب على طول القيام ولا ينبغي أن يستبعد هذه اللذة إذ يشهد لها العقل والنقل فأما العقل فليعتبر حال المحب لشخص بسبب جماله أو لملك بسبب إنعامه وأمواله أنه كيف يتلذذ به في الخلوة ومناجاته حتى لا يأتيه النوم طول ليله فإن قلت : إن الجميل يتلذذ بالنظر إليه وإن الله تعالى لا يرى فاعلم أنه لو كان الجميل المحبوب وراء ستر أو كان ، في بيت مظلم لكان المحب يتلذذ بمجاورته المجردة دون النظر ودون الطمع في أمر آخر سواه وكان يتنعم بإظهار حبه عليه وذكره بلسانه بمسمع منه وإن كان ذلك أيضا معلوما عنده ، فإن قلت : إنه ينتظر جوابه فليتلذذ ، بسماع جوابه ، وليس يسمع كلام الله تعالى ؟ فاعلم أنه إن كان يعلم أنه لا يجيبه ويسكت عنه فقد بقيت ، له أيضا لذة في عرض أحواله عليه ورفع سريرته إليه كيف والموقن يسمع من الله تعالى كل ما يرد على خاطره في أثناء مناجاته فيتلذذ به ، وكذا الذي يخلو بالملك ويعرض عليه حاجاته في جنح الليل ، يتلذذ به في رجاء إنعامه والرجاء في حق الله تعالى أصدق وما عند الله خير وأبقى وأنفع مما عند غيره فكيف لا يتلذذ بعرض الحاجات عليه في الخلوات

التالي السابق


(الرابعة وهي أشرف البواعث الحب لله عز وجل، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج به ربه عز وجل [ ص: 196 ] وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه) من الإشارات الإلهية العارية عن الوساوس، (وإن تلك الخطرات) التي تمر بقلبه يشاهدها بعين قلبه وأنها (خطاب من الله تعالى معه) ، وهذا من مقامات الإحياء، (فإذا أحب الله عز وجل) وقوي إيمانه وزاد نشاطه بمعرفته (أحب لا محالة الخلوة به) عن خطور خطرات الهوى (وتلذذ بالمناجاة بالحبيب) في قيامه، (فتحمله لذة المناجاة للحبيب على طول القيام) واستمرار المناجاة، (ولا ينبغي أن تستبعد هذه اللذة إذا شهد له العقل والنقل) ، وفي نسخة: إذ يشهد العقل والنقل، (أما العقل فليعتبر حال المحب لشخص بسبب جماله) وحسن صورته وكمال خلقه (أو لملك بسبب إنعامه) عليه (ونواله) له وإحسانه به (كيف يتلذذ بالخلوة به ومناجاته حتى لا يأتيه النوم طول ليلته) ولا يبالي بسهره وما يلقاه من النصب فيه، بل ما يمر بخاطره طول الليل، (فإن قلت: إن الجميل) الذي ضربت به المثل للاعتبار إنما (يتلذذ بالنظر إليه) فترى العين منه منظرا حسنا فيحول بينها وبين النوم حجاب (وإن الله سبحانه لا يرى) في الدنيا، فكيف التلذذ بمناجاته ؟ (فاعلم أنه لو الجميل المحبوب وراء ستر، وكان في بيت مظلم) مثلا (لكان المحب له) يتلذذ بمحاورته، أي: محادثته (المجردة) عن الرؤية (دون النظر) إليه (ودون الطمع في أمر آخر سوى ذلك) ، وفي نسخة: سواه، (وكان يتنعم بإظهار حبه إليه وذكره بلسانه بمسمع منه) ، وإن لم يكن بمرئي (وإن كان ذلك أيضا معلوما عنده، فإن قلت: إنه ينتظر جوابه، فيتلذذ بسماع جوابه، وليس يسمع كلام الله عز وجل ؟ فاعلم أنه وإن كان يعلم أنه لا يجيبه ويسكت عنه، فاللذة باقية له في عرض أحواله) أي: أثنائها (و) في (رفع سريرته) الباطنة (إليه كيف والموقن يسمع من الله عز وجل كل ما يرد على خاطره) من الإشارات (في أثناء مناجاته) ومحاورته، (فيتلذذ به، وكذا الذي يخلو بالملك ويعرض عليه حاجاته في جنح الليل، يتلذذ به في رجاء إنعامه) وإحسانه، (والرجاء في حق الله تعالى صدق) لا خلف فيه بخلاف الرجاء في الملك (وما عند الله سبحانه أبقى وأنفع مما عند غيره) لوجوه كثيرة، (فكيف لا يتلذذ بعرض الحاجات عليه في الخلوات) فهذه شهادة العقل .




الخدمات العلمية