الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الرابع : أن لا يبادر إلى رفع الألوان قبل تمكنهم من الاستيفاء حتى يرفعوا الأيدي عنها فلعل منهم من يكون بقية ذلك اللون أشهى عنده مما استحضروه أو بقيت فيه حاجة إلى الأكل فيتنغض عليه بالمبادرة وهي من التمكن على المائدة التي يقال إنها خير من لونين فيحتمل أن يكون المراد به قطع الاستعجال ويحتمل أن يكون أراد به سعة المكان .

حكي عن الستوري وكان صوفيا مزاحا فحضر عند واحد من أبناء الدنيا على مائدة فقدم إليهم حمل وكان صاحب المائدة بخل فلما رأى القوم مزقوا الحمل كل ممزق ضاق صدره وقال : يا غلام ارفع إلى الصبيان فرفع الحمل إلى داخل الدار فقام الستوري يعدو خلف الحمل ، فقيل له : إلى أين ؟ فقال : آكل مع الصبيان ، فاستحيا الرجل وأمر برد الحمل .

ومن هذا الفن أن لا يرفع صاحب المائدة يده قبل القوم فإنهم يستحيون بل ينبغي أن يكون آخرهم أكلا .

كان بعض الكرام يخبر القوم بجميع الألوان ويتركهم يستوفون ، فإذا قاربوا الفراغ جثا على ركبتيه ومد يده إلى الطعام وأكل وقال .

بسم الله ساعدوني بارك الله فيكم وعليكم وكان السلف يستحسنون ذلك منه .

التالي السابق


(الرابع: أن لا يبادر إلى رفع الألوان) كما يفعله المترفهون، يأخذون من كل لون لقمة أو لقمتين ويرفعونه سرعة (بل يمكن الحاضرين من الاستيفاء حتى يرفعوا الأيدي عنها) أي: من الألوان، (فلعل فيهم من يكون بقية ذلك اللون أشهى عنده مما سيحضره أو بقي فيه حاجة للأكل فينغص عليه بالمبادرة) ولفظ " القوت ": وينبغي أن يمكنهم من تبقية الألوان ولا يرفعها حتى يرفعوا أيديهم، فإنه من الأدب والمعروف، ولعل فيهم ما يكون عنده مما قدم أشهى إليه مما يقدم بعد، وقد يكون فيهم من به حاجة إلى فضل أكل فينغص عليه برفعه قبل أن يستوفي ما في نفسه. زاد المصنف: (وهو من التمكن على المائدة الذي يقال أنه خير من) زيادة (لونين) ، وقد تقدم نقل هذا القول قريبا. قال: (ويحتمل أن يكون المراد به قطع الاستعجال ويحتمل أن يراد به سعة المكان) ، فهذه ثلاثة أوجه في معنى التمكن، والوجه الأول هو الأقرب، والوجه الأخير يحتمل أن يكون على حقيقته أي: فيجلسهم في موضع واحد، أو المراد به عدم التزاحم على المائدة بكثرة الأيدي فيشوش خاطرهم (حكي عن) أبي عبد الله (الستوري) بضم السين المهملة جمع ستر، وهذه النسبة لمن يحفظ الأستار بأبواب الملوك، ولم يحمل أستار الكعبة، (وكان صوفيا مزاحا) ترجمه صاحب الحلية، وفي المحدثين ممن عرف بهذه النسبة رجلان: أبو الحسن علي بن الفضل بن إدريس بن الحسن بن محمد السامري، وعبد العزيز بن محمد بن نصر الستوريان، الأول حدث عن الحسن بن عرفة، والثاني عن إسماعيل الصفار، والمذكور هنا رجل آخر غيرهما، ولفظ " القوت ": حدثني بعض أصحابنا عن الستوري، وكان صوفيا أنه (حضر عند بعض أبناء الدنيا على مائدة) قد (قدم عليها حملا) وهو بالتحريك، ولد الضأن في السنة الأولى والجمع حملان بالضم، (وكان في صاحب المائدة بخل) فجعلوا يأكلونه، (فلما رأى القوم مزقوا الحمل كل ممزق ضاق صدره) من بخله (وقال: يا غلام) ارفع إلى الصبيان فرفع الغلام (الحمل إلى داخل الدار فقام الستوري) -رحمه الله تعالى - (يعدو خلف الحمل، فقيل له: إلى أين ؟) ولفظ " القوت ": فقال صاحب الدار: إلى أين أبا عبد الله ؟ (فقال:) أمر (آكل مع الصبيان، فاستحيا الرجل ورد الحمل) أي: أمر برده حتى استوفوا منه، (ومن هذا الفن أن لا يرفع صاحب المائدة يده قبل القوم) حتى يرفعوا أيديهم، وقد ورد في ذلك خبر تقدم ذكره (لأنهم يستحيون) فلا يستوفون أكلهم (بل ينبغي أن يكون) صاحب المائدة (آخرهم) رفعا و (أكلا، كان بعض الكرام) من الأجواد يأمر خبازه أن (يخبر القوم بجميع الألوان) الذي عنده من الطعام، قال الراوي: فسألت بعض جلسائه: لم يفعل هذا ؟ فقال: ليستبقي الرجل منهم نفسه لما يشتهي من الألوان قال: (ويتركهم) يأكلون حتى (يستوفوا، فإذا قاربوا الفراغ جثا على ركبتيه ومد يده إلى الطعام وأكل وقال) لهم: (بسم الله ساعدوني بارك الله فيكم) حكاه صاحب "القوت " قال: (وكان السلف يستحسنون ذلك منه) لما فيه من أخبار الألوان وتمكينهم من المائدة، وهما وصفان حسنان، وكان صاحب "القوت " عنى ببعض الكرام من الأجواد عبد الله بن عامر بن كريز، فقد قرأت في روح المجالس لمحمد بن عبد الكريم السمرقندي قال فيه: وكان إذا أراد عبد الله أن يتغذى أمر بوضع المائدة وقال: كلوا، وتشاغل هو حتى يقرب فراغ أصحابه ثم يتقدم إلى المائدة فيقول: استقبلوا الأكل، فلا يقوم أحد إلا كظيظا، وقال ابن عائشة: كان يحتاج لمائدة عبد الله في كل يوم عشرة أجربة طعام بما يتبعها من اللحم والحلوى وغير ذلك .




الخدمات العلمية