الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السابع أن تكون رقيقة والناكح حرا قادرا على طول الحرة أو غير خائف من العنت .

التالي السابق


(السابع) : من موانع النكاح (أن تكون رقيقة) للغير إن وجد أحد شرطين أشار لأولهما بقوله: (والناكح حر قادر على طول الحرة) أي: يكون حرا قادرا على نكاح الحرة بأن يجد صداقها لقوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات الآية. أي: من لم يكن له سعة فضل ينكح بها حرة محصنة فله نكاح الأمة ، وهذا الشرط فيه خلاف لأبي حنيفة ومن وجد طولا ولم يجد حرة ينكحها فهو كمن لم يجد صداقا ، ولو قدر على نكاح حرة غائبة فينظر إن كان بالخروج إليها والوصول إلى نكاحها تلحقه مشقة ظاهرة أم لا. فإن كان لا تلحقه مشقة شديدة وهو آمن على نفسه من الوقوع في الزنا إلى أن يصل إلى نكاحها فلا يحل له نكاح الأمة لوجود طول الحرة ، وإن كان في الخروج إليها تلحقه مشقة أو يخاف على نفسه العنت فله نكاح الأمة ، وفسر الإمام المشقة بما ينسب محتملها في طلب الزوج إلى مجاوزة الحد والإسراف ، وإذا وجد حرة ترضى بدون مهر المثل وهو يجد ذلك المقدار ، فالأصح من الوجهين أنه لا ينكح الأمة ولأن المهر مما يتسامح فيه ولا يتعلق به كثير منة ، ولأنه حينئذ واجد حرة كما لا يجوز له التيمم إذا وجد الماء بثمن بخس وهو قادر على ذلك ، وأما إذا لم يجد ذلك المقدار يجوز له نكاح الأمة والتيمم ، والوجه الثاني: أنه لا يجوز له نكاح الأمة لما فيه من المنة وليس بشيء ، ولأن الفرض حيث يجد ذلك القدر ، وعند الوجدان لا منة ولا ثقلها ، لكن إن وهب منه مال أو جارية لم يلزمه القبول كما لم يلزمه لو وهب منه ثمن الماء ، وإذا لم يجد المهر لكن ثم حرة ترضى بمهر مؤجل ، فأظهر الوجهين أنه يجوز له نكاح الأمة وإن كان يتوقع القدرة على ذلك المؤجل عند الحلول؛ لأن رجاءه قد لا يصدق عند الحلول وذمته في الحال مشغولة ، والوجه الثاني: أنه لا يجوز له نكاح الأمة لأنه واجد للحرة ومتمكن من نكاحها. ويجري الوجهان أيضا فيما لو بيع منه نسيئة ما يفي بصداقها أو يجد من يستأجره بأجرة معجلة بقدر الصداق أو يقرضه مهر حرة. وقطع صاحب التتمة في صورة القرض بأنه لا يجب القبول لأن القرض لا يلحقه الأجل فربما يطلبه في الحال وهذا حسن ، وهل يجوز نكاح الأمة مع ملك المسكن والخادم أم عليه بيعهما وصرف ثمنهما إلى طول الحرة ؟ قال ابن كج: فيه وجهان. والظاهر جواز نكاح الأمة وعدم وجوب بيع المسكن والخادم ، والمال الغائب لا يمنع نكاح الأمة كما لا يمنع ابن السبيل من أخذ الزكاة والمعسر الذي له ابن موسر، إن قلنا بوجوب الإعفاف عليه وهو الأصح هل يجوز له نكاح الأمة ؟ فيه وجهان: لأنه مستغن بمال الابن .

وأما الشرط الثاني: فقد أشار إليه المصنف بقوله: (أو غير خائف من العنت) أي: من الوقوع فيه ، والعنت محركة الزنا كما تقدم مع عدم طول الحرة لغلبة شهوته وقلة تقواه، وأما عند قوة التقوى وغلبة الشهوة فوجهان. أولهما: لا ينكح الأمة ويكسر شهوته بصوم أو غيره لئلا يصير ولده رقيقا إذا لم يؤد كسر الشهوة إلى ضرر، وإلا فينكح الأمة ، فإن قدر على شراء أمة يتسرى بها لا يجوز له نكاح الأمة في أصح الوجهين لأنه غير خائف من العنت ، ويحكى القطع به عن القاضي الحسين. والوجه الثاني: أن له نكاح الأمة لأنه لا يستطيع طول الحرة إذ الشرط في الأمة هو عدم طول الحرة وهو موجود هنا ، وأما إذا كان في ملكه أمة لم ينكح الأمة إذا كانت الأمة ممن تحل له ، وإن لم تكن حلالا له فإن وفت قيمتها بمهر حرة أو بجارية يتسرى بها لم ينكح الأمة [ ص: 335 ] وإلا فيجوز نكاحها .




الخدمات العلمية