الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولكن المحرم خمس رضعات وما دون ذلك لا يحرم .

التالي السابق


وفي الباب صورتان مستثنيان: الأولى : . . . أم ولدك من لا يحرم عليك بأن أرضعت أجنبية ابنك أو بنتك، تلك الأجنبية لا تكون حراما عليك ، وإن كان أم الابن من النسب حراما. الثانية: أن ترضعك امرأة أجنبية فتصير أما لك من الرضاع ، وأرضعت تلك المرأة الأجنبية بنتا أجنبية منك فصارت أختك من الرضاع فيجوز لأخيك من الأبوين أو من الأب أو من الأم نكاح تلك البنت التي هي أختك من الرضاع، ( ولكن المحرم خمس رضعات) في الحولين ( ودون ذلك لا يحرم) هذا مذهب الشافعي -رضي الله عنه- لما روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخت بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي فيما يقرأ من القرآن. قالوا: هذا يدل على قرب النسخ قال: قالوا: إن من لم يبلغه النسخ كأن يقرأها ، وعنها أيضا أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " لا تحرم المصة والمصتان"، وفي لفظ: " لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتان "، رواه مسلم أيضا ، وفي لفظ: " لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان ". وقال أصحابنا الحنفية: يحرم به وإن قل في ثلاثين شهرا ما يحرم بالنسب وإن كان الرضاع قليلا. وقولهم: في ثلاثين شهرا بيان لمدة الرضاع ، وهو قول أبي حنيفة ، وقال صاحباه: مدته سنتان. وقال [ ص: 336 ] زفر: ثلاث سنين. وقال بعضهم: لا حد له للنصوص المطلقة لقول الله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة علقه بفعل الرضاع من غير قيد بالعدد، والتقييد به زيادة وهو نسخ ، والأحاديث فيه كثيرة كلها مطلقة في المتفق عليه: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، ومنها حديث عائشة عندهما مرفوعا: " إن الله حرم من الرضاع ما حرم من الولادة". وما استدل به الشافعي منسوخ ، وروي عن ابن عباس أنه قال: قوله: " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان" كان ، فأما اليوم فالرضعة الواحدة تحرم ، فجعله منسوخا ، حكاه عنه أبو بكر الرازي ، ومثله: عن ابن مسعود ونسخه بالكتاب نص عليه ابن عباس ، وقال ابن بطال: أحاديث عائشة مضطربة فوجب تركها والرجوع إلى كتاب الله تعالى لأنه يرويه ابن زيد مرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومرة عن عائشة ومرة عن أبيه ، ومثله يسقط ولا حجة له في خمس رضعات أيضا؛ لأن عائشة أحالتها على أنه قرآن، وقالت: ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتشاغلنا بموته دخلت دواجن فأكلتها ، وقد ثبت أنه ليس من القرآن لعدم التواتر ولا تحل القراءة به ولا إثباته في المصحف ، ولا يجوز التقييد عنده ولا عندنا؛ لأنه إنما يجوز التقييد بالمشهور من القراءة ، ولم يشتهر ، ولأنه لو كان قرآنا لكان يتلى اليوم إذ لا نسخ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل: العشر والخمس كان في رضاع الكبير ، ثم نسخ وروي أن ابن عمر قيل له: إن ابن الزبير يقول: لا بأس بالرضعة والرضعتين ، فقال: قضاء الله خير من قضاء ابن الزبير ، ومذهبنا مذهب علي وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وجمهور التابعين ، وقال النووي: هو قول جمهور العلماء. وقال الليث بن سعد: أجمع المسلمون على أن قليل الرضاع وكثيره يحرم في المهد كما يفطر الصائم. قال ابن عبد البر: على اختلاف في ذلك ولكل من الصاحبين وزفر أدلة يحتجون بها ، والجواب عنها الكل مبسوط في كتب الفروع .




الخدمات العلمية