الثالثة : فذلك أيضا مطلوب ; إذ به يحصل التحصن والطبع لا يكتفي بالدميمة غالبا كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا يفترقان . حسن الوجه
وما نقلناه من الحث على الدين وأن المرأة لا تنكح لجمالها ليس زاجر عن رعاية الجمال ، بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين ، فإن الجمال وحده في غالب الأمر يرغب في النكاح ويهون أمر الدين ويدل على الالتفات إلى معنى الجمال : أن الألفة والمودة تحصل به غالبا وقد ندب الشرع إلى مراعاة أسباب الألفة ، ولذلك استحب فقال : إذا أوقع الله في نفس أحدكم من امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما ، أي : يؤلف بينهما ، من وقوع الأدمة على الأدمة ، وهي الجلدة الباطنة . النظر
والبشرة الجلدة الظاهرة ، وإنما ذكر ذلك ; للمبالغة في الائتلاف .
وقال صلى الله عليه وسلم : إن في أعين الأنصار شيئا ، فإذا أراد أحدكم أن يتزوج منهن فلينظر إليهن .
قيل : كان في أعينهن عمش .
وقيل : صغر وكان بعض الورعين لا ينكحون كرائمهم إلا بعد النظر احترازا من الغرور .
قال الأعمش كل تزويج يقع على غير نظر فآخره هم وغم .
ومعلوم أن النظر لا يعرف الخلق والدين والمال وإنما يعرف الجمال من القبح .
وروي أن رجلا تزوج على عهد رضي الله عنه وكان قد خضب فنصل خضابه فاستعدى عليه أهل المرأة إلى عمر وقالوا : حسبناه شابا فأوجعه عمر ضربا وقال : غررت القوم وروي : أن عمر بلالا أتيا أهل بيت من العرب فخطبا إليهم فقيل لهما : من أنتما ؟ فقال وصهيبا أنا بلال : وهذا أخي بلال ، كنا ضالين فهدانا الله وكنا مملوكين فأعتقنا الله وكنا عائلين فأغنانا الله ، فإن تزوجونا فالحمد لله ، وإن تردونا فسبحان الله ، فقالوا : بل تزوجان والحمد لله . صهيب ،
فقال لو ذكرت مشاهدنا وسوابقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اسكت فقد صدقت فأنكحك الصدق . صهيب
والغرور يقع في الجمال والخلق جميعا ، فيستحب إزالة الغرور في الجمال بالنظر وفي الخلق بالوصف والاستيصاف فينبغي أن يقدم ذلك على النكاح ولا يستوصف في أخلاقها وجمالها إلا من هو بصير صادق خبير بالظاهر والباطن ولا يميل إليها فيفرط في الثناء ولا يحسدها فيقصر فالطباع مائلة في مبادي النكاح ووصف المنكوحات إلى الإفراط والتفريط ، وقل من يصدق فيه ويقتصد بل الخداع والإغراء أغلب والاحتياط فيه مهم لمن يخشى على نفسه التشوف إلى غير زوجته .
فأما من أراد من الزوجة مجرد السنة أو الولد أو تدبير ، المنزل ، فلو رغب عن الجمال فهو إلى الزهد أقرب ; لأنه على الجملة باب من الدنيا وإن كان قد يعين على الدين في حق بعض الأشخاص .
قال أبو سليمان الداراني يتزوج الرجل العجوز إيثارا للزهد في الدنيا . الزهد في كل شيء حتى في المرأة
وقد كان يقول : يترك أحدكم أن يتزوج يتيمة فيؤجر فيها إن أطعمها وكساها تكون خفيفة المؤنة ترضى باليسير ويتزوج بنت فلان وفلان ، يعني : أبناء الدنيا ، فتشتهي عليه الشهوات ، وتقول اكسني كذا وكذا واختار مالك بن دينار رحمه الله : عوراء على أختها ، وكانت أختها جميلة فسأل من أعقلهما ؟ فقيل : العوراء ، فقال : زوجوني إياها فهذا دأب من لم يقصد التمتع فأما من لا يأمن على دينه ما لم يكن له مستمتع فليطلب الجمال فالتلذذ بالمباح حصن للدين . أحمد بن حنبل
وقد قيل : إذا كانت المرأة حسناء خيرة ، الأخلاق سوداء الحدقة والشعر كبيرة العين شديدة بيضاء اللون محبة لزوجها قاصرة الطرف عليه ، فهي على صورة الحور العين ، فإن الله تعالى وصف نساء أهل الجنة بهذه الصفة في قوله خيرات حسان ، أراد بالخيرات : حسنات الأخلاق وفي قوله : قاصرات الطرف وفي قوله : عربا أترابا العروب هي : العاشقة لزوجها المشتهية للوقاع ، وبه تتم اللذة والحور البياض ، والحوراء : شديدة بياض العين ، شديدة سوادها في سواد الشعر ، والعيناء الواسعة : العين .
وقال صلى الله عليه وسلم : خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته ، وإذا أمرها أطاعته ، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله .
وإنما يسر بالنظر إليها إذا كانت محبة للزوج .