الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى ويقرأ : قل هو الله أحد أولا ويكبر ، ويهلل ويقول بسم الله العلي العظيم اللهم اجعلها ذرية طيبة ، إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي .

وقال صلى الله عليه وسلم : لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان .

وإذا قربت من الإنزال فقل في نفسك ، ولا تحرك شفتيك : الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا .

، وكان بعض أصحاب الحديث يكبر حتى يسمع أهل الدار ، صوته ثم ينحرف عن القبلة ولا يستقبل القبلة بالوقاع ; إكراما للقبلة وليغط نفسه وأهله بثوب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغطي رأسه ، ويغض صوته ويقول للمرأة : عليك بالسكينة .

وفي الخبر : إذا جامع أحدكم أهله فلا يتجردان تجرد العيرين .

أي : الحمارين وليقدم التلطف بالكلام ، والتقبيل قال صلى الله عليه وسلم : لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول قيل : وما الرسول يا رسول الله ؟ قال : القبلة ، والكلام .

وقال صلى الله عليه وسلم : ثلاث من العجز في الرجل : أن يلقى من يحب معرفته ، فيفارقه قبل أن يعلم اسمه ، ونسبه . والثاني : أن يكرمه أحد ، فيرد عليه كرامته . والثالث : أن يقارب الرجل جاريته أو زوجته ، فيصيبها قبل أن يحدثها ، ويؤانسها ، ويضاجعها فيقضي حاجته منها ، قبل أن تقضي حاجتها منه .

التالي السابق


(و) آداب الجماع الشرعية: (يستحب أن يبدأ) فيه قبله (باسم الله تعالى) بأن يقول: بسم الله الرحمن [ ص: 372 ] الرحيم، وهو أحد المعاني في تفسير قوله تعالى: وقدموا لأنفسكم أي: قدموا لأنفسكم التسمية عند الجماع، أي: اذكروا اسم الله عنده، فذلك تقدمة لكم، وقد سبقت الإشارة إليه (ويقرأ: قل هو الله أحد أولا) تبركا بهذه السورة; إذ هي تعدل ثلث القرآن، كما في الخبر (ويكبر، ويهلل) وأيهما قدم جاز، يقول: بسم الله العلي العظيم (اللهم اجعلها ذرية طيبة، إن كنت قدرت أن يخرج من صلبي) كذا أورده صاحب القوت (وقال -صلى الله عليه وسلم-: لو أن أحدكم إذا أتى أهله) أي: حليلته، ورواية الجماعة: إذا أراد أن يأتي أهله. وهو كناية عن الجماع، أي: إذا أراد أن يجامع، لا حين الشروع فيه، فإنه لا يشرع فيه حينئذ، كما نبه عليه الحافظ ابن حجر (قال: اللهم جنبني) ورواية الجماعة: بسم الله، اللهم جنبنا (الشيطان) أي: أبعده عنا (وجنب الشيطان ما رزقتني) ورواية الجماعة: ما رزقتنا. أي: من الأولاد، أو أعم، والحمل عليه أتم; لئلا يذهب الوهم إلى أن الآيس منهم لا يسن له الإتيان به; إذ العلة ليست حدوث الولد فحسب، بل هو وإبعاد الشيطان; حتى لا يشاركه في جماعه، فقد ورد: أنه يلتف على إحليله إذا لم يسم، والأهل من رزق، ويجوز كون إذا: ظرفا لقال، وقال: خبر لأن، وكونها شرطية، وجزاؤها: قال، والجملة: خبر أن (فإن كان بينهما ولد) ذكر أو أنثى (لم يضره الشيطان) بإضلاله، وإغوائه، ببركة التسمية، فلا يكون للشيطان عليه سلطان في بدنه، ودينه، ولا يلزم عليه عصمة الولد عن الذنب; لأن المراد من نفي الإضرار: كونه مصونا عن إغوائه بالنسبة للولد الحاصل بلا تسمية، أو بمشاركة أبيه في جماع أمه، أو المراد: لم يضره الشيطان في أصل التوحيد، وفيه بشارة عظمى: أن المولود الذي يسمى عند الجماع الذي قضي بسببه يموت على التوحيد. وفيه: أن الرزق لا يختص بالغذاء، والقوت، بل كل فائدة أنعم الله بها على عبد رزق الله تعالى، فالولد رزق، وكذا العلم، والعمل، ورواية الجماعة:فإنه إن قضي بينهما ولد من ذلك لم يضره الشيطان أبدا. قال العراقي: متفق عليه، من حديث ابن عباس، اهـ. قلت: وكذلك رواه الطيالسي، وأحمد، والأربعة أصحاب السنن، وابن حبان، باللفظ الذي ذكرته .

(فإذا قربت من الإنزال فقل في نفسك، ولا تحرك شفتيك: الحمد لله الذي خلق من الماء بشرا، الآية) إلى آخرها .

(وكان بعض أهل الحديث يكبر) قبل الجماع (حتى يسمع أهل الدار، يرفع بالتكبير صوته) نقله صاحب القوت، ولعل ذلك أدعى لطرد الشيطان، إذ يسن التكبير عند الحريق، والشيطان من نار، فالتكبير يطفئه .

(ثم لينحرف عن القبلة) يمينا أو شمالا (فلا يستقبلها بالجماع; إكراما للقبلة) فإن في هذه الحالة كشفا للعورة، وذهابا لبعض مسكة في العقل، فلا ينبغي أن يستقبلها في هذه الحالة .

(وليغط نفسه وأهله بثوب) واحد، كالملاءة، فإن ذلك أستر لهما (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) إذا أراد الجماع (يغطي رأسه، ويغض صوته) أي: يخفضه (ويقول للمرأة: عليك السكينة) أي: الزمي السكينة، نقله صاحب القوت، قال العراقي: رواه الخطيب، من حديث أم سلمة، بسند ضعيف (وفي الخبر: إذا جامع أحدكم أهله) أي: حليلته (فلا يتجردا) أي: لا يتعريا (تجرد العيرين، أي: الحمارين) والعير بالفتح: يطلق على الحمار الوحشي، والأهلي، وجمعه: أعيار، كبيت، وأبيات .

(ولا ينخرا نخار الثيران) جمع ثور، وقد نخر نخارا، كغراب: إذا مد الصوت من الخياشيم. قال العراقي: رواه ابن ماجه، من حديث عتبة بن عبد، بسند ضعيف .

(وليقدم) قبل الجماع بمقدماته، وهي: (التلطف بالكلام، والتقبيل) في الخدين، والشفة، ودغدغة الثدي، والحالب، والغمز في أطراف البطن، والخاصرة (قال -صلى الله عليه وسلم-: لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة) على البهيمة (ليكن بينهما رسول، فقيل: وما الرسول يا رسول الله؟ قال: القبلة، والكلام) . قال العراقي: رواه الديلمي، في مسند الفردوس، من حديث أنس، وهو منكر، اهـ. (وقال -صلى الله عليه وسلم-: ثلاث خصال من العجز في الرجل: أن يلقى من يحب معرفته، فيفارقه قبل أن يعرف اسمه، ونسبه. والثاني: أن يكرمه أخوه، فيرد عليه كرامته. والثالث: أن يقارب الرجل جاريته، فيصيبها قبل أن يحدثها، ويؤانسها، ويضاجعها فيقضي حاجته منها، قبل أن تقضي حاجتها منه) . قال العراقي: رواه الديلمي، من حديث أنس، أخصر منه، وهو بعض الحديث الذي قبله، اهـ. قلت: [ ص: 373 ] ولكل من الجمل الثلاث شواهد في أخبار: الجملة الأولى في مسلسلات مسعود بن سلمان، بلفظ: من الجفاء أن يلقى الرجل أخاه فلا يسأله عن اسمه، ونسبه، وكنيته. وشاهد الجملة الثانية: ثلاث لا ترد: الدهن، والوسادة، واللبن. رواه الترمذي، عن ابن عمر. وشواهد الجملة الثالثة: سيأتي ذكرها قريبا .




الخدمات العلمية