الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فالقول الجامع في آداب المرأة من غير تطويل أن تكون قاعدة في قعر بيتها لازمة لمغزلها لا يكثر صعودها واطلاعها قليلة الكلام لجيرانها لا تدخل عليهم إلا في حال يوجب الدخول تحفظ بعلها في غيبته ، وتطلب مسرته في جميع أمورها ولا تخونه في نفسها وماله ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه فإن خرجت بإذنه فمختفية في هيئة رثة تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرفها بشخصها لا تتعرف إلى صديق بعلها في حاجاتها بل تتنكر على من تظن أنه يعرفها ، أو تعرفه همها ، صلاح شأنها ، وتدبير بيتها مقبلة على صلاتها وصيامها وإذا استأذن صديق لبعلها على الباب وليس ، البعل حاضرا لم تستفهم ولم تعاوده في الكلام غيرة على نفسها وبعلها ، وتكون قانعة من زوجها بما رزق الله وتقدم حقه على حق نفسها ، وحق سائر أقاربها متنظفة . في نفسها مستعدة في الأحوال كلها للتمتع بها إن شاء مشفقة على أولادها ، حافظة للستر عليهم قصيرة اللسان عن سب الأولاد ومراجعة الزوج .

وقد قال صلى الله عليه وسلم : أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين في الجنة امرأة آمت من زوجها وحبست نفسها على بناتها حتى ثابوا أو ماتوا .

وقال صلى الله عليه وسلم : حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي ، غير أني أنظر عن يميني ، فإذا امرأة تبادرني إلى باب الجنة فأقول : ما لهذه تبادرني ؟! فيقال لي : يا محمد ، هذه امرأة كانت حسناء ، جميلة وكان عندها يتامى لها فصبرت عليهن حتى بلغ أمرهن الذي بلغ فشكر الله لها ذلك .

ومن آدابها : أن لا تتفاخر على الزوج بجمالها ولا تزدري زوجها لقبحه فقد روي أن الأصمعي قال : دخلت البادية فإذا ، أنا بامرأة من أحسن الناس وجها ، تحت رجل من أقبح الناس وجها ، فقلت لها : يا هذه ، أترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله ؟! فقالت : يا هذا ، اسكت ، فقد أسأت في قولك لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه ، فجعلني ثوابه أو لعلي أسأت فيما بيني وبين خالقي ، فجعله عقوبتي ، أفلا أرضى بما رضي الله لي ؟! فأسكتتني .

وقال الأصمعي رأيت في البادية امرأة عليها قميص أحمر ، وهي مختضبة وبيدها سبحة ، فقلت : ما أبعد هذا من هذا فقالت .


ولله مني جانب لا أضيعه وللهو مني والبطالة جانب

: فعلمت أنها امرأة صالحة ، لها زوج تتزين له .

التالي السابق


(والقول الجامع في آداب المرأة) مع زوجها (من غير تطويل) بالاستدلال على كل مسألة بحديث، أو حكاية، هو: (أن تكون قاعدة في قعر بيتها) أي: داخله.

(لازمة لمغزلها) بكسر الميم، ما يغزل به الصوف، والكتان، فإن الغزل للنساء، كالكتابة للرجال .

(لا تكثر صعودها) على الأسطحة، والمواضع المرتفعة .

ولا تكثر (واطلاعها) على بيوت الجيران، والأسواق، والسكك، من ثقب، وكوى، وشبابيك، وممن يكثر ذلك من النساء العلقة، كهمزة، ومنه قول بعضهم: أبغض كنى بني إلي، العلقة الجفاة .

(قليلة الكلام لجيرانها) أي: لا تخاطبهم إلا في ضرورة دعت إلى الكلام (لا تدخل عليهم) أي: على الجيران (إلا في حالة توجب الدخول) ويكونون على نبإ من دخولها، فلا تفجأهم بالدخول .

(تحفظ بعلها) أي: زوجها (فى) حال (غيبته، و) حال (حضرته) أي: حضوره عندها (وتطلب مسرته) أي: سروره ورضاه (فى جميع أموره) وسائر أحواله .

(ولا تخونه في نفسها) بأن تمكن غيره منها (و) لا في (ماله) بأن تعطي أحدا شيئا من غير إذنه .

(ولا تخرج من بيتها) إلا بإذنه الصريح (وإن خرجت بإذنه) إلى زيارة والديها، أو غير ذلك من أفعال البر (فمختفية) أي: [ ص: 407 ] مستترة (فى هيئة رثة) حقيرة (تطلب المواضع الخالية) من الزحام (دون الشوارع) العامة (والأسواق) التي يكثر بها الاجتماع عادة (محتزرة من أن يسمع غريب) أجنبي (صوتها) فإنه عورة (أو يعرفها بشخصها) وحليتها .

(ولا تتعرف) هي (إلى صديق بعلها) وصاحبه (فى حاجاتها) ولوازمها المعتادة (بل تنكر على من يظن أنه يعرفها، أو تعرفه، همتها صلاح شأنها، وتدبير بيتها) ; كل ذلك دفعا لظن بعلها، وتحرزا عن سوء مظنته بها; لما جبلت عليه الرجال من الغيرة على الحرم .

(مقبلة على صلاتها) في أوقاتها الخمسة (وصيامها) المفروض، إلا لعذر الحيض، أو النفاس، إن كان .

(وإذا استأذن صديق على الباب، ولم يكن البعل حاضرا) إذ ذاك (لم تستفهمه) من هو؟ ولماذا جاء؟ وما حاجته؟ (ولم تعاوده في الكلام) ولم تراوده إن لم يكن عندها من يخاطبه، من خادم، وإن لزم الأمر لضرورة الخطاب، فلتجعل أصابعها على فمها، وتغير صوتها، بحيث يظن أنه صوت عجوز لا شابة (غيرة على نفسها، و) على (بعلها) فإنه إذا اطلع أنها خاطبت في الكلام الأجنبي، يتغير حاله معها، وتخطر به خواطر رديئة، ويجد الشيطان لذلك مداخل سوء .

(وتكون قانعة من زوجها بما رزق الله تعالى) مما قل أو كثر، ولا تستزيده في مأكول، أو ملبوس، إلا قدر كفايتها .

(ومقدمة حقه على حق نفسها، وحق سائر أقاربها .

متنظفة في نفسها) بما يزيل عنها رائحة الأعراق، والأوساخ، بالماء أولا، ثم بالطيب ثانيا، بأن تتعاهد المغابن، وأطراف القدمين، وما بدا من جسدها، بالغسل بالماء، والأشنان، خصوصا عقيب الفراغ من خدمة البيت .

(مستعدة في جميع الأحوال كلها) ومتزينة، تعرض نفسها عليه، لا صريحا، بل تلميحا بنحو تبسم، وغنج، وتكسر كلام (ليستمتع بها إن شاء) في أي وقت كان، وهو بالليل آكد من النهار; لكونه وقت الخلوة عن الانشغال .

(مشفقة على أولادها منه، إن كانوا، بارة بهم، خادمة لهم، حافظة للستر عليهم) في ظاهرها، وباطنها .

(قصيرة اللسان عن سب الأولاد) صابرة في مكابدة مراعاتهم، صحة، ومرضا .

(قليلة مراجعة الزوج) فيما يقوله (وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: أنا وامرأة سفعاء الخدين) السفعة بالضم: سواد مشرب بحمرة، وسفع: كعتب، إذا كان لونه كذلك، وهو أسفع، وهي سفعاء (كهاتين في الجنة) أشار به إلى كمال القرب، وهي: (امرأة تأيمت على زوجها) أي: مات عنها، وله منها بنون (وحبست نفسها على بنيها) منه، بأن انشغلت بتربيتهم، ولم تطالب نفسها إلى النكاح; خوفا على ضياع الأولاد (حتى بانوا) منها على خير (أو ماتوا) .

قال العراقي: رواه أبو داود، من حديث أبي مالك الأشجعي، بسند ضعيف .

(وقال -صلى الله عليه وسلم-: حرم الله على كل آدمي الجنة يدخلها قبلي، غير أني أنظر عن يميني، فإذا امرأة تبادرني) أي: تسابقني (إلى باب الجنة) أي: تدخل قبلي (فأقول: ما لهذه تبادرني؟! فيقال: يا محمد، هذه امرأة كانت حسناء، جميلة) الصورة (وكان عندها يتامى لها) من ذكور، وإناث، (فصبرت عليهن) ولم تتزوج خوفا عليهن (حتى بلغ أمرهن الذي بلغ) من رشد، وبلوغ (فشكر الله لها بذلك) .

قال العراقي: رواه الخرائطي في مكارم الأخلاق، من حديث أبي هريرة، بسند ضعيف، اهـ. قلت: وكذلك رواه الديلمي، بهذا اللفظ .

(ومن آدابها: أن لا تتفاخر على الزوج بجمالها) وشبابها، وما مكنها الله من الارتياع، والبهجة، فإنه ظل زائل (ولا تزدري زوجها لقبحه) ودمامته، كما فعلت امرأة ثابت بن قيس، حين رأته قبيح المنظر، قصير القامة، كرهته، وطلبت منه الفراق، وخالعته، كما تقدم .

(فقد روي أن) عبد الملك بن قريب (الأصمعي) الإمام في العربية (قال: قد دخلت البادية، وإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها، تحت رجل من أقبح الناس وجها، فقلت لها: يا هذه، أترضين لنفسك أن تكوني تحت مثله؟! فقالت: يا هذا، اسكت، فقد أسأت في ذلك) وأخطأت معرفتك (لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه، فجعلني ثوابه) أي: جزاء إحسانه (أو لعلي أنا أسأت فيما بيني وبين خالقي، فجعله عقوبتي، أفلا أرضى بما رضي الله لي؟! فأسكتتني) في جوابها، وقد ذكر هذه الحكاية: الزمخشري [ ص: 408 ] في ربيع الأبرار .

(وقال الأصمعي) أيضا: (رأيت بالبادية امرأة عليها قميص أحمر، وهي مختضبة) بالحناء (وبيدها سبحة، فقلت: ما أبعد هذا من هذا) أي: من اللبس والخضاب بجانب أخذ السبحة في اليد (فقالت) في الجواب:

(ولله مني جانب لا أضيعه * وللهو مني والبطالة جانب)

.

ويروى ولله عندي. بدل: مني. والخلاعة، بدل: البطالة. (قال: فعلمت أنها امرأة صالحة، لها زوج تتزين له) وقد أشارت بقولها إلى أن عليها حق مولاها، وحق بعلها، فهي تعطي لكل ذي حق حقه .




الخدمات العلمية