الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
الركن الثاني : الربح وليكن معلوما بالجزئية بأن يشترط له الثلث ، أو النصف ، أو ما شاء فلو nindex.php?page=treesubj&link=5937قال على أن لك من الربح مائة والباقي لي لم يجز ; إذ ربما لا يكون الربح أكثر من مائة فلا يجوز تقديره بمقدار معين ، بل بمقدار شائع .
(الركن الثاني: الربح) وشرائطه أربعة، واقتصر المصنف هنا على ذكر الشرطين، فقال: (وليكن معلوما بالجزئية) ونصه في الوجيز: وهي nindex.php?page=treesubj&link=5937أن يكون مخصوصا بالعاقدين، مشتركا، معلوما بالجزئية، لا بالتقدير، قال: وعنينا بالخصوص: أنه لو أضيف جزء من الربح إلى ثالث لم يجز، وبالاشتراك أنه لو شرط الكل للعامل أو للمالك فهو فاسد، خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة.
قال شارح المحرر: ويشترط في الربح: أن يكون مختصا بالمتعاقدين، أي: المالك، والعامل، فلا يجوز أن يشترط شيئا من الربح لثالث، وهما مشتركان في الربح، فإن قال: قارضتك على أن يكون ثلث الربح لك، وثلثه لابني أو لأبي لم يصح القراض; لأن الثالث ليس بعامل، ولا مالك، إلا أن يشترط مع الثالث العمل مع العامل، فحينئذ يكون قراضا مع الاثنين .
ولو شرط الكل للعامل، أو للمالك، ففيه وجهان، قيل: إنه فاسد رعاية للفظ، والربح كله للمالك، وللعامل أجرة المثل، وقيل: إنه قراض صحيح، رعاية للمعنى، وهو مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه يصح القراض في الصورتين، ويجعل كأن الآخر وهب نصيبه من المشروط له .
ولو قال: خذ هذه الدراهم وتصرف فيها، والربح كله لك، فهو قرض صحيح عند ابن سريج، والأكثرين، بخلاف ما لو قال: قارضتك على أن الربح كله لك; لأن اللفظ يصرح بعقد آخر. وقال الشيخ أبو محمد: لا فرق بين الصورتين. وعن القاضي الحسين: أن الربح والخسران للمالك، وللعامل أجرة المثل، هكذا نقله في الكبير عن التهذيب، [ ص: 469 ] والظاهر من قواعد المذهب: أن الحق مع القاضي; لأن الصيغة ليست بصيغة القراض الصحيح، فإما قراض فاسد، أو إبضاع فاسد، فعلى التقديرين يكون الربح كله للمالك، والخسر عليه أيضا، وليس للعامل إلا أجرة المثل; لأن عمله ما وقع مجانا .
ثم بين المصنف قوله: معلوما بالجزئية، وهما شرطان، بقوله: (بأن يشترط له الثلث، أو النصف، أو شيئا) فلو قال: لك من الربح ما شرطه فلان لفلان، فإنه مجهول .
ولو قال: على أن الربح بيننا، ولم يقل: نصفين، فأظهر الوجهين: الصحة، وتنزيل البينة على المناصفة، كما لو قال: هذه الدار بيني وبين زيد، يكون إقرارا بالمناصفة. والوجه الثاني: الفساد; لأنه لم يبين ما لكل واحد منهما، فأشبه إذا اشترط أن يكون الربح بينهما أثلاثا ولم يبين من له الثلث، ومن له الثلثان .
ولو قال له: قارضتك على أن نصف الربح لي وسكت عن جانب العامل لم يصح على أصح الوجهين، وبه قال المزني. والوجه الثاني: أنه يصح، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=13216ابن سريج، فإن قال: قارضتك على أن النصف لك، وسكت عن نفسه، فوجهان أيضا، أصحهما: الصحة، وما أضاف إلى العامل يكون له، والنصف الآخر يكون للمالك بحكم الأصل، والوجه الثاني وجه ضعيف: أنه لا يجوز حتى تجري الإضافة إلى الجانبين، فعلى الوجه الأصح، لو قال: على أن لك النصف، ولي السدس، وسكت عن الباقي، صح، وكان الربح بينهم بالسوية، كما لو سكت عن جميع النصف الآخر، ثم هذا الذي تقدم يتعلق بالشرط الأول، وهو كون الربح معلوما .
وأما الشرط الثاني، وهو كونه معلوما بقيد الجزئية فأشار إليه بقوله: (فلو قال) قارضتك (على أن لك من الربح مائة) ، أو درهم، أو لا درهم (والباقي لي) أو لك، أو بيننا (لم يجز; إذ ربما لا يكون الربح أكثر من مائة) فيلزم اختصاص أحدهما بكل الربح، وذلك خلاف أصل الباب (فلا يجوز تقديره بمقدار معين، بل بمقدار شائع) وهو موافق لما قاله أصحابنا: لا تصح المضاربة إلا إذا كان الربح بينهما مشاعا; لأن الشركة تتحقق له حتى لو شرطا لأحدهما دراهم مسماة، تبطل المضاربة; لأنه يؤدي إلى قطع الشركة على تقدير أن لا يزيد الربح على المسمى .
قالوا: nindex.php?page=treesubj&link=5937وكل شرط يوجب جهالة الربح يفسدها، وإلا لا، والذي يؤدي إلى جهالة الربح من الشروط: أن يشترط رب المال على المضارب أن يدفع إليه أرضه ليزرعها سنة، أو داره ليسكنها سنة، وذلك مفسد، لأنه جعل بعض الربح عوضا عن عمله، والبعض أجرة داره، أو أرضه، ولا يعلم حصة العمل، حتى تجب حصته، ويسقط ما أصاب منفعة الدار، ولو شرط ذلك على رب المال للمضارب، صح العقد، وبطل الشرط; لأنه يفضي إلى جهالة حصة العمل، ونصيبه من الربح مقابل بعمله لا غير، ولا جهالة فيه، لأن الكلام فيما إذا شرط له جزأ معلوما من الربح شائعا، ثم هو شرط لا يقتضيه العقد، فيبطل هو دونها; لأن المضاربة لا تبطل بالشروط الفاسدة، كالوكالة، والهبة; لأن صحتها متوقفة على القبض، كالهبة، وشرط الوضيعة، وهو الخسران، على رب المال; لأنه ما فات جزء من المال بالهلاك يلزم صاحب المال دون غيره، والمضارب أمين فيه، فلا يلزمه بالشرط، فصار الأصل فيه: أن كل شرط يوجب الجهالة في الربح، أو قطع الشركة فيه، مفسد، وما لا فلا، والله أعلم .