الثالث ألا : فينبغي أن يكيل كما يكتال قال الله تعالى يكتم في المقدار شيئا ، وذلك بتعديل الميزان ، والاحتياط فيه ، وفي الكيل ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ولا يخلص من هذا إلا بأن يرجع إذا أعطى وينقص إذا أخذ إذ العدل الحقيقي قلما يتصور فليستظهر بظهور الزيادة والنقصان فإن من استقصى حقه بكماله يوشك أن يتعداه .
وكان بعضهم يقول : لا أشتري الويل من الله بحبة ، فكان إذا أخذ نقص نصف حبة ، وإذا أعطى زاد حبة، وكان يقول : ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السماوات والأرض وما أخسر من باع طوبى بويل .
وإنما بالغوا في الاحتراز من هذا وشبهه ; لأنها مظالم ، لا يمكن التوبة منها ; إذ لا يعرف أصحاب الحبات حتى يجمعهم ويؤدى حقوقهم ولذلك لما اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، قال للوزان لما كان يزن ثمنه : زن وأرجح .
ونظر فضيل إلى ابنه وهو يغسل دينارا ، يريد أن يصرفه ، ويزيل تكحيله وينقيه ، ; حتى لا يزيد وزنه بسبب ذلك فقال : يا بني ، فعلك هذا أفضل من حجتين ، وعشرين عمرة .
وقال بعض السلف عجبت : للتاجر والبائع ، كيف ينجو يزن ويحلف بالنهار وينام بالليل .
وقال سليمان عليه السلام لابنه يا بني ، كما تدخل الحبة بين الحجرين ، كذلك تدخل الخطيئة بين المتبايعين .
وصلى : بعض الصالحين على مخنث فقيل له : إنه كان فاسقا ، فسكت ، فأعيد عليه ، فقال : كأنك قلت لي كان صاحب ميزانين يعطي ، بأحدهما ، ويأخذ بالأخر أشار به إلى أن فسقه مظلمة بينه وبين الله تعالى وهذا من مظالم العباد ، والمسامحة والعفو فيه أبعد منه يحصل بحبة ونصف حبة . والتشديد في أمر الميزان عظيم والخلاص ،
وفي قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لا تطغوا في الميزان ، وأقيموا الوزن باللسان ولا تخسروا الميزان أي : لسان الميزان فإن النقصان والرجحان يظهر بميله