وتنال رتبة الإحسان بواحد من ستة أمور .
الأول : في المغابنة فينبغي أن فأما أصل المغابنة فمأذون فيه ; لأن البيع للربح ولا يمكن ذلك إلا بغبن ما ولكن يراعي فيه التقريب ، فإن بذل المشتري زيادة على الربح المعتاد إما لشدة رغبته أو لشدة حاجته في الحال إليه فينبغي أن يمتنع من قبوله ، فذلك من الإحسان . لا يغبن صاحبه بما لا يتغابن به في العادة
ومهما لم يكن تلبيس لم يكن أخذ الزيادة ظلما وقد ذهب بعض العلماء إلى أن : الغبن بما يزيد على الثلث يوجب الخيار ولسنا نرى ذلك ولكن من الإحسان أن يحط ذلك الغبن .
يروى أنه كان عند يونس بن عبيد حلل مختلفة ، الأثمان ، ضرب قيمة كل حلة منها أربعمائة ، وضرب كل حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصلاة وخلف ابن أخيه في الدكان فجاء أعرابي وطلب حلة بأربعمائة ، فعرض عليه من حلل المائتين ، فاستحسنها ، ورضيها فاشتراها فمضى ، بها ، وهي على يديه فاستقبله يونس فعرف حلته ، فقال للأعرابي : بكم اشتريت فقال : بأربعمائة ، فقال لا : تساوي أكثر من مائتين ، فارجع حتى تردها فقال هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنا أرتضيها فقال له يونس : انصرف ، فإن ثم رده إلى الدكان ، ورد عليه مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذلك ، وقاتله ، وقال : أما استحييت أما اتقيت الله تربح مثل الثمن ، وتترك النصح للمسلمين فقال والله ما أخذها إلا وهو راض بها . النصح في الدين خير من الدنيا بما فيها ،
قال: فهلا رضيت له بما ترضاه لنفسك وهذا إن كان فيه إخفاء سعر ، وتلبيس ، فهو من باب الظلم ، وقد سبق ، وفي الحديث : غبن المسترسل حرام .
وكان الزبير بن عدي يقول أدركت ثمانية عشر من الصحابة ، ما منهم أحد يحسن يشتري لحما بدرهم فغبن مثل هؤلاء المسترسلين ظلم إن كان من غير تلبيس فهو من ترك الإحسان وقلما يتم هذا إلا بنوع تلبيس ، وإخفاء سعر الوقت .
وإنما الإحسان المحض : ما نقل عن السري السقطي ، أنه اشترى كر لوز بستين دينارا وكتب في روزنامجه ثلاثة دنانير ربحه وكأنه ، رأى أن يربح على العشرة نصف دينار ، فصار اللوز بتسعين فأتاه الدلال وطلب اللوز فقال : خذه قال ، بكم فقال .
بثلاثة : وستين فقال الدلال ، وكان من الصالحين فقد : صار اللوز بتسعين فقال قد عقدت عقدا لا أحله ، لست أبيعه إلا بثلاثة وستين فقال الدلال : وأنا السري : منك إلا بتسعين . عقدت بيني وبين الله أن لا أغش مسلما لست آخذ ،
قال : فلا الدلال اشترى منه ، ولا السري باعه فهذا محض الإحسان من الجانبين ، فإنه مع العلم بحقيقة الحال .
وروي عن محمد بن المنكدر أنه كان له شقق بعضها بخمسة ، وبعضها بعشرة فباع غلامه في غيبته شقة من الخمسيات بعشرة ، فلما عرف لم يزل يطلب ذلك الأعرابي المشتري طول النهار حتى وجده فقال ، له إن الغلام قد غلط ، فباعك ما يساوي خمسة بعشرة ، فقال : يا هذا قد رضيت ، فقال : وإن رضيت فإنا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا ، فاختر إحدى ثلاث خصال : إما أن تأخذ شقة من العشريات بدراهمك ، وإما أن نرد عليك خمسة ، وإما أن ترد شقتنا وتأخذ دراهمك ، فقال أعطني خمسة ، فرد عليه خمسة وانصرف ، الأعرابي يسأل ويقول : من هذا الشيخ ؟ فقيل له : هذا فقال : لا إله إلا الله ، هذا الذي نستسقي به في البوادي إذا قحطنا . محمد بن المنكدر ،
فهذا إحسان في أن لا يربح على العشرة إلا نصفا أو واحد ، على ما جرت به العادة ، في مثل ذلك المتاع في ذلك المكان ومن قنع بربح قليل كثرت معاملاته واستفاد من تكررها ربحا كثيرا ، وبه تظهر البركة .
كان يدور في سوق علي رضي الله عنه الكوفة بالدرة ويقول معاشر التجار ، خذوا الحق ، تسلموا لا تردوا قليل الربح فتحرموا كثيره .
قيل رضي الله عنه ما سبب يسارك قال : ثلاث ما رددت ربحا قط ولا طلب مني حيوان فأخرت بيعه ولا بعت بنسيئة . لعبد الرحمن بن عوف
ويقال : إنه باع ألف ناقة فما ربح إلا عقلها باع كل عقال بدرهم ، فربح فيها ألفا ، وربح من نفقته عليها ليومه ألفا .