قال: "فإن قيل: إن الله لما أسمع المكلف الكلام الذي يشعر ظاهره بشيء فلو كان في العقل ما يدل على بطلان ذلك الشيء، وجب عليه تعالى أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل، وإلا كان ذلك [ ص: 334 ] تلبيسا من الله تعالى، وأنه غير جائز. قلنا: هذا بناء على وأنه يجب على الله شيء، ونحن لا نقول بذلك. سلمنا ذلك، فلم قلتم: إنه يجب على الله أن يخطر ببال المكلف ذلك الدليل العقلي، وبيانه أن الله تعالى إنما يكون ملبسا على المكلف، لو أسمعه كلاما يمتنع عقلا أن يريد به إلا ما أشعر به ظاهره، وليس الأمر كذلك، لأن المكلف إذا سمع ذلك الظاهر، ثم إنه يجوز أن يكون هناك دليل على خلاف ذلك الظاهر، فبتقدير أن يكون الأمر كذلك، لم يكن مراد الله من ذلك الكلام ما أشعر به الظاهر، فعلى هذا إذا أسمع الله المكلف ذلك الكلام، فلو قطع المكلف بحمله على ظاهره، مع قيام الاحتمال الذي ذكرنا، كان ذلك التقصير واقعا من المكلف لا من قبل الله تعالى، حيث قطع لا في موضع [القطع]، فثبت أنه لا يلزم من عدم إخطار الله تعالى ببال المكلف [ ص: 335 ] ذلك قاعدة الحسن والقبح، أن يكون ملبسا) . الدليل العقلي المعارض للدليل السمعي
قال: (فخرج مما ذكرناه أن الأدلة النقلية لا يجوز التمسك بها في المسائل العلمية، ولعله يمكن أن يجاب عن هذا السؤال بما به يجاب عن تجويز ظهور المعجزات على الكاذبين، نعم يجوز التمسك بها في المسائل النقلية تارة لإفادة اليقين، كما في مسألة الإجماع وخبر الواحد، وتارة لإفادة الظن، كما في الأحكام الشرعية".